advertisement ads
24 ساعةنافذة الرأي

مصطفى أمجكال يكتب : مسلسل المكتوب..مخالب التمزيق خلف أجنحة دراما(قراءة نقدية)

مصطفى أمجكال

قبل البدأ في كتابة هذه الأسطر حول مسلسل المكتوب كقراءة متواضعة،  أحببت أن أبدي ملاحظة سريعة حول مجموع ممن انتقد المسلسل و هاجمه أو حتى بعض الذين يحاولون تسويق أنفسهم على أنهم موضوعيون في الطرح و النقاش.
ملاحظتي الأولى هو كون أغلب المنتقدين يدعون أنهم لم يشاهدو حلقات المسلسل و إنما سمعو عن الضجة التي أثيرت حوله و يحاولون إبداء الرأي!  و هذا مما لا أستطيع فهمه و لا استيعابه،  إذ كيف لشخص أن ينتقد شيئا أو يدافع عن شيء و هو لم يكون تصورا شخصيا عنه و يكتفي بما وصله من الناس فقط؟!

إن القاعدة عند الباحث المنصف و الناقد الموضوعي تقول:  الحكم على الشيء فرع عن تصوره. فنحن لسنا في زمن السند و نقل فلان عن فلان،  بل كل شيء متاح أمام أنظار الباحثين و النقاد للعمل على تفكيك خيوط أي عمل كيفما كان نوعه.

ملاحظة ثانية: لماذا التخوف من مشاهدة أحداث المسلسل؟  هل لأنه رديء و دون المستوى؟ إذا يبقى السؤال المطروح :  كيف عرفت ذلك و من الناقد الذي حكم على جودة العمل جعلك لا ترغب في مشاهدته؟

أما إن كان للإنسان موقف من الأعمال الفنية عموما سواء كانت سينما او دراما تلفزية او مسرح أو موسيقى…  فيبقى ذلك محض إختياره الذي يحترم و لا يلام عليه،  لكن دون أن يوجه سهامه اللاذعة لمجرد أن أحدهم حكى له عن عمل بسوء.

إن المجتمع اليوم بالتنوع الذي يعيشه و الإختلاف الفكري و الثقافي و تنوع العادات و التقاليد،  و أيضا الانفتاح الكبير الذي يطبع العلاقات الإنسانية و الأسرية..  يحتاج منا وقفات متأنية و دراسات موضوعية تهم الجوانب الاجتماعية و الثقافية و الفنية و الدينية و السياسية..  و الحرص على دراسة التفاصيل الكامنة خلف الصور المعروضة على المجتمع في وسائل الإعلام.

ما العيب في أن يجلس المثقف و الناقد و رجل الدين أيضا أمام التلفاز بغرض تفكيك خلفيات عمل ما من زاوية نقدية موضوعية؟  ثم يعمل على استشراف آثار هذه الصور على نفسية و سلوك و تفكير المتلقي في المدى القريب و المتوسط و البعيد بدل الاكتفاء بالنقد و الهجوم بالشكل الذي يخلق الزوبعة التي لا تبرح قاع الفنجان.

لقد كان الدكتور و المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري رحمه الله يجلس و بين يديه ورقة و قلم يحلل أغاني الفيديو كليب في مجموعة من القنوات العربية و الغربية و  علاقتها بالسياسات العامة للبلد و مدى خدمتها للأجندة الاقتصادية الرأسمالية..  كان يحلل بهدوء و يعالج القضايا في جوهرها دون اختزال المشاكل العام في الحلقة الأضعف و التغافل عن باقي السلسلة. لقد كتب حول الإعلام و الإمبريالية النفسية، لماذا غاب مثقفونا عن الكتابة عن الإعلام و الاستعمار الثقافي الوافد من تركيا مثلا؟؟

الحديث عن مسلسل المكتوب يلزم منا كمتتبعين لدينامية المجتمع أن نشاهد العمل و نتحدث عنه في شموليته و نرتب أفكاره و نحاول استنباط الأهداف الغير معلنة من طرف المخرج و الممثلين.  فالنسبة لي يبقى الممثل شخصا له ملكة قوية في تشخيص الدور و التماهي مع الشخصية المعروضة عليه و إتقان حرفته . و حين يسأل عن دوره يحكي القصة كما هي عبارة عن أحداث مترابطة لها بداية و نهاية.  قد يكون  الممثل نفسه او الممثلة نفسها غائبة ذهنيا عن مدى تأثر المتلقي بهذه الشخصية على المدى المتوسط أو البعيد و ما إذا كانت ستأثر سلبا أم إيجابا على المجتمع و الأسرة و الشارع و المدرسة و غيرها من جوانب الحياة.

في مسلسل المكتوب قصص مركبة لها نظيراتها في المجتمع المغربي. قصص الزواج من أجل المال و المصلحة.  و قصص الزواج من أجل الرغبة في سد الفراغ النفسي دون مراعاة نفسية الشريك.  و قصص المكر و الخديعة من أجل الحفاظ على المكانة و البريستيج المجتمعي الذي يعشقه أصحاب المال و الجاه.  و أيضا قصص التحرر و الانفتاح في مقابل محاولة التشبت بالأصالة و الأخلاق و التقاليد.

الشخصيات في المسلسل هي محاكاة لواقع موجود و أصبح حاضرا بفقاعة كبيرة في المجتمع. بغض النظر عن شخصية الشيخة التي أعتبرها حلقة ضعيفة في سلسلة من الحلقات الخطيرة التي تخبأ مخالب الفتك تحت أجنحة الشرف و الفضيلة المزيفة.  إن مجتمع المعطاوي الذي يسعى إلى الحفاظ على هيبة الأسرة بمجرد الحفاظ على التقدم المادي و ارتفاع مؤشرات الربح في سوق الأعمال هو مجتمع هش جدا و متفكك الى درجة أن الكل يخشى من الكل، و النفاق هي السلعة الرائجة في البيت و العمل،  و الخوف من دخول الغريب بينهم خوف من تناقص الإرث المستقبلي الذي يجهله الجميع.

المجتمع في مسلسل المكتوب حارب الشيخة و وصفها بكل الأوصاف القبيحة،  و تردد هذا الإسم على لسان مجموع الشخصيات بطريقة فيها احتقار ( بنت الشيخة)  فيه عدم قبول لهذه الشخصية و عدم رضى عن عملها الذي تعيش منه،  بالرغم أنها أحيت أعراس الفقراء و الأغنياء و منهم المعطاوي نفسه..  لكن الشيخة مقبولة عندما تحيي ليالينا فقط لكن تبقى منبوذة كإسم.  فماذا لو تحول إسمها من شيخة إلى سيدة الطرب الشعبي أو كوكب الغرب مثلا؟

لماذا هذا الحديث عن المسلسل الآن؟

لأن القضايا المعروضة فيه متداخلة و معقدة و تسعى إلى خلق تصورات جديدة عن الزواج و الأسرة و الحب و التفكير في المصلحة المادية فوق كل اعتبار و إن اقتضى الحال الرضى بالخيانة الزوجية و الفساد بين المحارم و مشاهدة المكر و الخديعة و السكوت عنه خوفا من المستقبل و فقدان لقمة العيش…  فالشيخة حلقة منفردة في سلسلة مشحونة بالنفاق و الخداع،  لذلك النظر في عمل فني درامي مثل مسلسل المكتوب لا ينبغي أن يختزل في شخصية واحدة لأن الرسائل مركبة و مآلاتها خطيرة.
في تقديري أن المسلسل يسعى الى التطبيع مع النمط الجديد للحياة الأسرية الذي وفد علينا من المجتمع التركي و قبله المكسيكي و الأوروبي. لكن النموذج التركي لعب دورا خطيرا في ابراز ذاته و كيانه في المجتمعات العربية باعتباره نموذجا للدولة الاسلامية الرائدة التي حققت تقدما اقتصاديا و سياسيا و عسكريا و فرضت نفسها كقوة إقليمية في المنطقة. هذه هي تركيا اليوم و هذا هو النموذج الأسري الذي نشاهده في جل الدراما الوافدة علينا. و لأننا نعيش هشاشة كبيرة في بعث تقاليدنا المغربية و إبراز التنوع الثقافي المغربي الأصيل من خلال الدراما و المسرح و السينما، اصبح كل عمل يحاكي الأعمال التركية يلقى رواجا و إقبالا و إن كانت رسائل الهدم واضحة للعيان.
مصطفى أمجكال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى