إنه لشرف كبير واعتزاز عظيم أن يلتئم هذا الجمع المبارك في هذه الجلسة الرسمية لافتتاح السنة القضائية 2024، والتي يأتي انعقادها تنفيذاً للأمر المولوي السامي لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية دام له النصر والتمكين، وهي التفاتة ملكية سامية حافلة بالدلالات ما فتئ جلالته يسبغها على السلطة القضائية فترفع بها هامتها عاليا وتستنير بهديها مُوقِنَةً أنها مكرمة وتزيدها فخرا واعتزازا وبذلاً للمزيد من العطاء.
لقد أضحى افتتاح السنة القضائية تقليدا رسميا راسخا يتم خلاله مد جسور التواصل مع مختلف الفاعلين والمهتمين بمجال العدالة، ومناسبة سانحة لانفتاح السلطة القضائية على محيطها وتقريب حصيلة نشاطها القضائي من المهنيين والمتتبعين وفرصة أيضا لبسط مختلف المجهودات التي بدلها قضاة وأطر العدالة خلال السنة القضائية المنقضية واستشراف آفاق اشتغالهم خلال السنة الجديدة.
وبهذه المناسبة، أتشرف بأن أعرب باسمي وباسم كافة قضاة النيابة العامة وأطرها بجميع الضيوف الكرام الذين لبوا الدعوة لحضور مراسيم هذه الجلسة الرسمية، والذين منهم من تكلف عناء السفر، مُعبرا لهم عن أصدق مشاعر الامتنان والتقدير، فحضوركم بيننا حضرات السيدات والسادة هو مصدر سعادة للجسم القضائي ومبعث للافتخار بقدسية المهام التي تضطلع بها السلطة القضائية في مجال حماية الحقوق والحريات وتكريس الأمن القضائي للأفراد والإسهام في البناء المجتمعي لمغرب الديمقراطية والتنمية.
كما أود بنفس المناسبة أن أستحضر معكم بكل تقدير وإباء ما أنعم به الله على بلدنا من نساء ورجال مخلصين أفنوا حياتهم في الاضطلاع بأعباء القضاء بكل تفان وإخلاص ونكران للذات، وساهموا في بناء أمجاده وتأصيل مكاسب استقلاله بكل التزام وثبات، عاقدين العزم على بذل الغالي والنفيس في سبيل القيام بمسؤولياتهم الجسيمة مستنيرين في ذلك بتوجيهات جلالة الملك السديدة والمتبصرة المتطلعة إلى عدالة ناجزة وفعالة ومنصفة.
وهي مناسبة لنقدم لهم فيها أسمى عبارات الشكر والامتنان لما بذلوه ويبذلونه من جهود صادقة وعطاء لا ينضب معينه، دون أن تفوتني الفرصة لتجديد عبارات الشكر والتقدير لكل من ساهم في ترسيخ بناء السلطة القضائية وتقوية دعائم استقلالها سواء من شرفنا بالحضور اليوم أو من نلتمس له العذر لعدم تمكنه من ذلك.
إن افتتاح السنة القضائية لم تعد تقليدا سنويا يتم فيه استعراض حصيلة النشاط القضائي لمحاكم المملكة وإبراز الجهود التي يبذلها قضاتها فحسب ، بل أضحت حدثا يشهد على انخراط السلطة القضائية بمختلف مكوناتها في تكريس سيادة القانون وصون الحقوق والحريات، وهي مناسبة نستحضر فيها بكل اعتزاز الحكم الملكية النيرة، ومنها ما جاء في الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالته بمناسبة افتتاح السنة القضائية بأكادير يوم 24 يناير 2003، حيث قال : ” يسعدنا أن نجعل من افتتاحنا للسنة القضائية مناسبة لإضافة لبنات جديدة في مسار إصلاح جهاز العدل لما يكفله القضاء المستقل والنزيه والفعال من سيادة القانون وإشاعة الثقة والأمن على الأشخاص والممتلكات وتحفيز التنمية والاستثمار وتوطيد الاستقرار وترسيخ الديمقراطية التي نضعها فوق كل اعتبار” انتهى النطق الملكي السامي.
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة رؤساء الغرف والهيئات والمستشارون؛
حضرات السيدات والسادة الحضور الأفاضل؛
نفتتح اليوم السنة القضائية الجديدة بإذن مولوي سامٍ في سياق وطني خاص تطبعه مجموعة من التحولات التي تندرج في إطار استكمال مسار إصلاح منظومة العدالة ببلادنا، في مقدمتها الورش الملكي الكبير والتاريخي المتعلق بمراجعة مدونة الأسرة تنفيذا للتوجيهات السامية التي وجهها أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في رسالته السامية إلى السيد رئيس الحكومة، تجسيدا للعناية الكريمة التي ما فتئ يوليها أعزه الله للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام، والتي أسند فيها جلالته قيادة عملية التعديل ، بشكل جماعي ومشترك، لكل من المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ووزارة العدل وبإشراك وثيق للهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
وفي ذات السياق، يعرف المشهد القضائي ببلادنا مجموعة من المستجدات التي تأتي في إطار تعزيز استقلال السلطة القضائية، من أبرزها دخول القانون رقم 37.22 المتعلق بالمعهد العالي للقضاء حيز التنفيذ بما يحمله من تعديلات تروم ملاءمة الإطار القانوني المنظم له مع المستجدات التي أفرزها الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية، فضلا عن مراجعة مجموعة من القوانين الأخرى، من قبيل مشروع القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، والمرسوم رقم 2.23.665 بتحديد الخريطة القضائية للمملكة والذي يندرج في إطار تنزيل مقتضيات القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، وكذا مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية وأيضا مشروع القانون رقم 01.18 بتغيير وتتميم القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية ، وغيرهما من مشاريع القوانين ذات الصلة بمجال العدالة.
واستحضارا للمسؤولية في الدفاع عن الحق العام وحماية النظام العام وصيانة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور للأفراد والجماعات، حرصت النيابة العامة على تفعيل أدوارها بكل تفان وروح وطنية عبأت من خلالها كل الطاقات والإمكانيات المتاحة لرفع الصعوبات ومواجهة التحديات، وهي الجهود التي أثمرت خلال سنة 2023 عن تحقيق نتائج نأمل أن تكون في مستوى التطلعات المنتظرة منها إن على مستوى محكمة النقض أو محاكم الموضوع، ويتجلى ذلك من خلال نشاطها على نحو ما يلي:
فعلى مستوى محكمة النقض تم تسجيل ما مجموعه 48130 قضية، مقابل 52676 قضية سنة 2022 أي بنسبة انخفاض بلغ 7 %، كما بلغ عدد القضايا المحكومة خلال سنة 2023 ما مجموعه 46757 قضية، مقابل 48423 قضية خلال سنة 2022.
وتمثل القضايا الجنائية من مجموع ما سلف 52.73 % حيث سُجل ما مجموعه 25379 قضية ينضاف لها المخلف عن سنة 2022، (17418 قضية) ليصبح مجموع الرائج هو 42797 قضية، صدر فيها 24487 قراراً، وبذلك بلغت نسبة التصفية من القضايا المسجلة 96.49 %، في حين بقي مخلفا عن سنة 2023 ما مجموعه 18310 قضية.
– أما على مستوى باقي القضايا الأخرى فقد تم تسجيل ما مجموعه 22751 قضية.
وعلى الرغم مما تحقق من نتائج ملحوظة من المحكوم سواء على المستوى الجنائي أو المدني، فإنه يُلاحظ أن عدد المحكوم في الشكل سواء بعدم قبول الطعن أو سقوط الحق فيه أو التنازل عن الطلب بلغ 10913 قراراً، أي بنسبة تناهز 23%، وهي تقارب النسبة المسجلة خلال سنة 2022 والتي بلغت 26 % من مجموع القضايا ، فيما صدر 23606 قرارا برفض طلب النقض وهو ما يشكل نسبة 68.79 % من مجموع القضايا التي تم الفصل في موضوعها مقابل 10709 قضية صدرت فيها قرارات بالنقض، وهو ما يفسر أن نسبة جدية الطعون بالنقض لا تتجاوز 22.90 %.
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة رؤساء الغرف والهيئات والمستشارون؛
حضرات السيدات والسادة الحضور الأفاضل؛
إن تحقيق عدالة منصفة وسريعة، عدالة تضمن سيادة القانون وتوحيد تطبيقه على نحو سليم يعد مطلبا أساسيا لكل مواطن ومن البديهي أن تسهر محكمة النقض على تعبئة كل طاقاتها لبلوغه عبر بلورة اجتهادات قضائية مستمدة من روح التشريع والتزامات بلادنا الدولية وهو ما أهلها لتأسيس تراكم قضائي خصب من خلال اجتهادات مهمة تنم عن إدراك قضاتنا المتميز للواقع ومواكبتهم للتحولات الاقتصادية والاجتماعية، كما شكلت إطاراً مرجعياً لتطوير القاعدة القانونية بما يضمن حقوق المتقاضين ويصون حرية الأشخاص وخاصة المعتقلين منهم. والذين بلغ عدد القرارات الصادرة في قضاياهم 4730 قرارا، فيما تخلفت في نهاية السنة 1656 قضية مقابل 2075 قضية خلال سنة 2022، ستنضاف إلى ما سيسجل خلال هذه السنة وهو ما يتطلب مواصلة الجهود لتصفيتها.
وفي إطار تدبير قضاة النيابة العامة لدى محكمة النقض لهذه القضايا خلال سنة 2023 فقد قدموا مستنتجات كتابية في مجموع القضايا المحكومة البالغ عددها 46757، وذلك بمعدل سنوي يقدر بـ 916 مذكرة لكل محام عام، فيما بقي كمخلف 51247 قضية سينضاف إلى الجديد من المسجل خلال هذه السنة، الشيء الذي يتطلب الزيادة في عدد المحامين العامين ضمانا للرفع من جودة العمل وتعزيز فعالية حضور النيابة العامة ، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار إحالة عدد منهم على التقاعد نهاية سنة 2023 (06)، وإلحاق عدد آخر منهم بمؤسسات أخرى أو تكليفهم بمهام المسؤولية خلال سنة 2023 (02).
وبالرغم من مختلف التحديات المطروحة في هذا الباب والمرتبطة بتدبير القضايا المسجلة والرائجة وما يتطلبه الأمر من تجهيزها داخل آجال معقولة، فضلا عما تم تسجيله من خصاص على مستوى الموارد البشرية، فقد باشر قضاة النيابة العامة لدى محكمة النقض جهودا مضاعفة في سبيل معالجة قضايا في مجالات أخرى تتمثل في ما يلي:
-قضايا المساطر المرتبطة بالإحالة من أجل حسن سير العدالة: نظراً لما يكتسيه هذا النوع من القضايا من أهمية خاصة في ضمان حسن سير العدالة وحماية حقوق المتقاضين، فقد سجل خلال سنة 2023 ما مجموعه 23 قضية منها 13 قضية موضوع الإحالة من أجل التشكك المشروع، وخمس (05) قضايا بشأن طلبات الإلغاء وخمس (05) قضايا حول تنازع الاختصاص، وذلك مقابل ستة وعشرين (26) قضية مسجلة في هذا الإطار خلال سنة 2022.
-قضايا الطعن بالنقض لفائدة القانون: يشكل هذا الطعن وفقا لمقتضيات المادة 559 من ق.م.ج آلية قانونية تسمح للنيابة العامة بتقديم طلب نقض الأحكام غير القابلة للاستئناف الصادرة خرقاً للقانون أو للصيغ الجوهرية المتعلقة بالإجراءات، وفي هذا الإطار عرفت سنة 2023 تقديم ما مجموعه سبع (07) طلبات أحيلت ثلاثة منها على الغرفة الجنائية بينما أحيل طلبان على الغرفة المدنية، في حين أحيل طلب واحد على رئاسة النيابة العامة وتم حفظ طلب واحد لعدم توفر الشروط المتطلبة قانوناً.
– طلبات إعادة النظر في القرارات الصادرة عن محكمة النقض: حرصت النيابة العامة لدى محكمة النقض على المساهمة بدور مهم في هذا المجال، إذ عملت بشكل تلقائي على رفع 45 طلبا إلى الغرفة الجنائية سنة 2023، مقابل 47 طلبا برسم سنة 2022، شملت الطلبات المذكورة بين طلبات تصحيح بعض الأخطاء التي تسربت إلى القرارات وكانت مؤثرة فيها، طلبات أسست على الحالتين الثالثة والرابعة من المادة 563 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بإغفال البت في طلبات معروضة بمقتضى وسائل استدل بها، أو في حالة عدم تعليل القرار، وقد تم البت في 31 طلبا وفق ملتمسات النيابة العامة، بينما ما يزال الباقي في طور الإجراءات.
– طلبات المراجعة: يلاحظ أن عدد طلبات المراجعة عرف انخفاضا خلال سنة 2023 إذ تم تسجيل 64 طلبا مقابل 78 طلبا سنة 2022، تم اتخاذ القرار ات المناسبة بشأنها، حيث توزعت هذه القرارات بين الحفظ الذي هم 47 طلباً منها لعدم توافر الشروط القانونية المنصوص عليها في المادة 566 من قانون المسطرة الجنائية وإحالة طلب واحد على الغرفة الجنائية، ولا تزال ثلاثة طلبات في طور الإجراءات والباقي أحيل على الجهة القضائية المختصة.
– طلبات التسليم: نظرا لكون هذا النوع من القضايا يندرج ضمن مجالات التعاون القضائي الدولي في المجال الجنائي، فإن النيابة العامة تعطيه أولوية خاصة، وقد سُجل خلال سنة 2023 ما مجموعه 49 طلبا للتسليم مقابل 74 طلبا خلال سنة 2022 وتم البت من قبل الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في 44 طلبا، منها 12 طلباً أبدت فيها الرأي بالموافقة، في حين تم الإشهاد على قبول 27 طلباً للتسليم، فيما قضت بالإفراج في طلبين، وبخصوص عدول السلطات الطالبة عن طلبات التسليم فقد همَّ 03 طلبات ولا تزال 05 طلبات في طور الإجراءات.
– طلبات المساعدة القضائية: تكريسا للمبدأ الدستوري المرتبط بالحق في التقاضي والولوج إلى العدالة تولي النيابة العامة لدى محكمة النقض العناية اللازمة لمعالجة طلبات المساعدة القضائية وفقا للإجراءات المحددة لذلك قانونا، حيث سجل خلال سنة 2023 ما مجموعه 163طلبا مقابل 138 طلبا خلال سنة 2022، حيث أصدر بخصوصها مكتب المساعدة القضائية 144 قرارا، منها 38 قرارا بقبول طلب المساعدة، و106 قرارات بالرفض، وما زال 19 طلبا في طور الإجراءات.
وعلى مستوى الشكايات التي توصلت بها النيابة العامة لدى محكمة النقض: بلغ عدد الشكايات المسجلة سنة 2023 ما مجموعه 1201 شكاية، مقابل 1409 شكاية خلال سنة 2022 اتخذ بشأنها الإجراء القانوني المناسب، وتتوزع بين 288 شكاية تقدم بها معتقلون و118شكاية قدمت ضد مساعدي القضاء و66 شكاية من قبل أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، في حين بلغ عدد الشكايات الموجهة ضد أشخاص آخرين ما مجموعه 729 شكاية.
وتجسيدا لدور محكمة النقض بما فيها النيابة العامة لديها في ضبط قواعد التطبيق السليم للقانون، وإعمالا لأدوارها القانونية في تحقيق الأمن القضائي، وإسهاماً في الرفع من نجاعة الأداء القضائي ، فقد نظمت النيابة العامة لديها سبع (07) دورات تكوينية لفائدة قضاتها ، بالإضافة إلى مشاركتها في أربع (04) دورات تكوينية نظمتها رئاسة محكمة النقض لفائدة قضاة محاكم الاستئناف في إطار مبادرتها الرامية إلى الانخراط في تعزيز الكفاءات المهنية لقضاتها بهدف التمكن من التعاطي مع مختلف الإشكالات القانونية التي تثار أمام محكمة النقض ومواكبة أهم القرارات الصادرة في هذا الشأن.
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة المستشارون؛
حضرات السيدات والسادة؛
إن الارتقاء بالأمن القانوني والقضائي وفق المنظور القويم الذي دعا إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في مناسبات عديدة، يفرض علينا اليوم بذل المزيد من الجهود في اتجاه تبسيط المساطر وتطوير آليات بديلة عن الدعوى العمومية بما يكفل إصدار أحكام عادلة وملائمة داخل آجال معقولة، وهي غايات لا يمكن بلوغها إلا بتكامل أدوار مختلف الفاعلين في مجال العدالة من دفاع ومساعدي القضاء باعتبارهم جزءً لا يتجزأ من أسرة القضاء، وفاعلاً محورياً إلى جانب باقي المتدخلين في مجال العدالة الجنائية.
وإذا كانت النتائج المحققة من قبل النيابة العامة لدى محكمة النقض تعكس الدينامية وروح الجدية التي يتحلى بها قضاتها وأطرها عند قيامهم بالمهام المسندة إليهم، فإن النيابات العامة لدى محاكم الموضوع لم تحد عن هذا التوجه الناجع والفعال. إذ حققت بدورها نتائج جد مرضية خلال سنة 2023، سواء عند تدبيرها للشكايات والمحاضر ومختلف الإجراءات، أو عند تدبيرها لوضعية الأشخاص المقدمين أمامها، وحرصها على ترشيد الاعتقال الاحتياطي، ونهوضها بأدوارها الطلائعية في حماية الحقوق والحريات، وتنفيذ أولويات السياسة الجنائية المحددة. وهو ما يبدو جلياً من خلال ما يلي:
في مجال تدبير الشكايات والمحاضر ووضعية الأشخاص المقدمين أمام النيابات العامة لدى محاكم المملكة.
على مستوى الشكايات، تولى قضاة النيابة العامة لدى محاكم المملكة خلال سنة 2023 تدبير ما مجموعه 633832 شكاية رائجة، توزعت بين 602443 شكاية أمام المحاكم الابتدائية، و 31989 شكاية أمام محاكم الاستئناف.
وقد تمت تصفية 551874 شكاية منها 524667 على مستوى النيابات العامة لدى المحاكم الابتدائية و 27207 شكاية على مستوى محاكم الاستئناف ، وذلك عبر الإشراف على الأبحاث التي تنجز في شأنها من قبل مختلف مصالح الشرطة القضائية وإصدار القرارات المناسبة بشأنها.
وإجمالاً فقد بلغت نسبة تصفية الشكايات خلال سنة 2023 ما يناهز 87% من مجموع الرائج منها، وهي نسبة تتجاوز نسبة الإنجاز المحققة خلال سنة 2022 والتي بلغت 82 % وهو ما يعكس حجم المجهودات المبذولة من قبل النيابات العامة ومصالح الشرطة القضائية المكلفة بإنجاز الأبحاث.
مع الإشارة إلى أن عدد الشكايات الرائجة خلال هذه السنة المحدد في 633832 عرف انخفاضا مقارنة مع سنة 2022 الذي بلغ العدد فيها 670251 شكاية أي بنسبة انخفاض تقدر بحوالي 5.7%.
وعلى مستوى تدبير المحاضر، فقد بلغ عدد الرائج منها خلال سنة 2023 ما مجموعه 2.606.824 محضراً تمت معالجتها بنسبة 95% وذلك بتجاوز النسبة المحققة عند نهاية سنة 2022 والتي ناهزت آنذاك 92%. أي بتصفية ما مجموعه 2.469.720 محضراً من أصل 2.606.824 محضراً الذي كان رائجاً على المستوى الوطني، فيما لا زال 137104 محضراً فقط في طور الإجراءات والذي يُشكل نسبة 5% من مجموع الرائج، وهي نسبة تفصح عن حجم المجهودات المبذولة من قبل قضاة النيابة العامة ومختلف مصالح الشرطة القضائية المكلفة بإنجاز الأبحاث.
وتفصيل ذلك على نحو ما يلي:
– على مستوى المحاكم الابتدائية، تمت تصفية 2.390.264 محضراً من أصل 2.522.053 محضراً رائجاً، أي ما يشكل نسبة إنجاز تناهز 95%. فيما تمت تصفية نسبة (94%) على مستوى محاكم الاستئناف المتمثلة في 79456 محضراً من أصل 84771 محضراً راج أمام النيابة العامة لدى المحاكم المذكورة، وبقي مخلفا 5315 محضراً، وهو ما يشكل نسبة 6% فقط من مجموع المحاضر الرائجة.
ينضاف إلى هذه المجهودات التي قامت بها النيابات العامة لتصفية المحاضر العادية، معالجة 1.390.865 محضرا إلكترونيا يتعلق بجنح ومخالفات السير، علما أن هذه المحاضر لم تتجاوز خلال سنة 2022 780.352 محضرا أي بزيادة تعدت 78 % .
أما بالنسبة لتدبير وضعية الأشخاص المقدمين أمام النيابات العامة، فقد تم خلال سنة 2023 تقديم ما مجموعه 643044 شخصا. ويتوزع بين 619883 مقدماً راشداً أي بنسبة 97% من مجموع المقدمين، بينما بلغ عدد المقدمين من الأحداث ما مجموعه 23161 حدثا، بنسبة لا تتجاوز 3% فيما بلغ عدد الإناث المقدمات خلال سنة 2023 ما مجموعه 44396، ما يشكل نسبة تقدر بحوالي 7% من مجموع المقدمين.
وتجدر الإشارة إلى أن أغلب عدد المقدمين كانوا رهن الحراسة النظرية في إطار حالات التلبس.
في مجال تدبير وضعية الاعتقال الاحتياطي
يعتبر موضوع الاعتقال الاحتياطي من بين أولويات مواكبة تنفيذ السياسة الجنائية التي تشرف عليها رئاسة النيابة العامة. وهو الأمر الذي يعكسه عدد الدوريات الصادرة عنها في هذا الشأن، والتي ركزت كلها على ترشيد الاعتقال الاحتياطي والحرص على بذل الجهود الممكنة للمساهمة في البت في قضايا المعتقلين الاحتياطيين داخل آجال معقولة.
وقد أسفرت الجهود المبذولة في هذا الإطار سواء من قبل النيابة العامة أو الهيئات القضائية المكلفة بقضايا المعتقلين الاحتياطيين عن تحقيق أدنى معدل اعتقال احتياطي تم تسجيله خلال العشر سنوات الأخيرة والذي بلغ عند نهاية شهر دجنبر 2023 نسبة 37.56% مقابل 40.85 % عند نهاية سنة 2022، حيث انخفض عدد المعتقلين الاحتياطيين إلى 38552 معتقلا من مجموع الساكنة السجنية البالغ عددها 102650 نزيلاً.
في مجال حماية الحقوق والحريات
في إطار تجسيد دورها الرقابي في مجال حماية الحقوق والحريات، قام قضاة النيابات العامة خلال سنة 2023 بزيارات تفقدية للأشخاص الموقوفين بالأماكن المخصصة للحراسة النظرية بلغ 21930 زيارة، بزيادة فاقت نسبة 115% من الزيارات المفترض القيام بها قانونا والمحددة في 18952 زيارة.
ومن جهة أخرى، تم القيام بـــــ 183 زيارة لمستشفيات علاج الأمراض العقلية، أي بنسبة بلغت 143 % من عدد الزيارات المفترضة قانونا خلال السنة. وب 1042 زيارة للمؤسسات السجنية سنة 2023، مقابل 1031 زيارة خلال سنة 2022.
كما حرصت النيابة العامة أيضا خلال سنة 2023 على التفاعل الإيجابي مع كافة الشكايات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك تلك الخاصة بادعاءات العنف وسوء المعاملة والاعتقال التعسفي…، مع تحريك المتابعة كلما توفرت شروط ذلك ضمانا لمبدأ المساواة أمام القانون ولقاعدة عدم الإفلات من العقاب، كما حرصت على حماية الحقوق المكفولة لفائدة الموقوفين بما في ذلك الحق في السلامة الجسدية من خلال إصدار أوامر بإخضاع 232 موقوفا للفحص الطبي.
أما على مستوى تفاعل النيابة العامة مع مختلف الآليات المعنية بحقوق الإنسان، فقد حرصت على المساهمة الفعالة عبر رئاستها في إعداد التقارير الوطنية الدورية المقدمة إلى الهيئات الأممية المعنية بحقوق الإنسان وذلك في إطار مواكبة تنفيذ بنود الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل المغرب، كما عملت على المساهمة في مسار إعداد بعض التعليقات المفسرة لبنود الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، كما هو الشأن بالنسبة لمشروع التعليق العام للجنة الفرعية لمنع التعذيب (SPT) بخصوص المادة 4 من البروتكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وغيرها من التعليقات العامة الأخرى، فضلا عن المساهمة في مسار إعداد بعض تقارير الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة و إعداد الردود والتوضيحات الرسمية بشأن الادعاءات المضمنة بالبلاغات الواردة عن الآليات الأممية المعنية بتلقي البلاغات الفردية.
في مجال تعزيز الحماية لبعض الفئات الهشة:
وعيا منها بالأهمية البالغة التي توليها السياسة الجنائية لحماية حقوق وحريات الجماعات والأفراد ولاسيما الفئات الهشة تجسيدا للبعد الإنساني والحقوقي، فقد جعلت النيابة العامة في مقدمة أهدافها تفعيلا لهذه الحماية السعي الدائم لتكريس مفهوم العدالة الصديقة من خلال خلايا التكفل بالأطفال والنساء بمختلف النيابات العامة لدى محاكم المملكة والتي تعتبر آلية فعالة لتيسير ولوج الأطفال إلى العدالة وإقرار التدابير الحمائية المتعلقة بالضحايا ودعمهم، وتعكس رقيا في تعاطي المؤسسة القضائية مع هذه الفئة وذلك في استحضار كامل للبعد الاجتماعي والإنساني.
كما عملت النيابة العامة على تفعيل دورها التنسيقي مع مختلف المتدخلين عبر اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، بما يضمن تكفلا فعالا وناجعا يتلاءم وخصوصية وضعية الأطفال في تماس مع القانون واحتياجاتهم من أجل تحقيق أكبر قدر من النجاعة في تطبيق القوانين ذات الصلة بحقوق الأطفال.
ومن أجل توفير وثيقة مرشدة لقضاة النيابة العامة وتوحيد الجهود والرؤى لحماية ضحايا الاتجار بالبشر عملت رئاسة النيابة العامة على إعداد مجموعة من الدلائل العملية في مجال التعاون القضائي الدولي والتي يبقى من أبرزها “الدليل العملي حول مؤشرات التعرف على الأطفال ضحايا جريمة الاتجار بالبشر” والذي تم إعداده بشراكة مع الاتحاد الأوروبي بهدف التفعيل الأمثل للمقتضيات القانونية المتعلقة بمكافحة هذه الجريمة.
وفي نفس السياق عالجت النيابات العامة ما يناهز 86365 شكاية تتعلق بالعنف ضد النساء، ترتب عنها فتح19987 قضية توبع في إطارها 24798 شخصاً.
كما حرصت النيابات العامة في إطار مواكبتها لهذه القضايا على تجسيد مقتضيات القانون رقم 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء، وذلك عبر إقرار التدابير الحمائية المتعلقة بالضحايا ودعمهن من طرف مختلف خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف المتواجدة بمحاكم المملكة.
كما عرفت سنة 2023 تسجيل ما مجموعه 123 قضية تتعلق بجريمة الاتجار بالبشر اتخذت بشأنها التدابير القانونية اللازمة خاصة تلك المتعلقة بحماية الضحايا وفق ما تم التنصيص عليه في القانون 27-14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، وكذا المقتضيات الحمائية الواردة في قانون المسطرة الجنائية، مع الاشارة الى أن عدد القضايا المسجلة خلال هذه السنة عرف ارتفاعا ملحوظا بالمقارنة مع السنة الفارطة التي سجلت 84 قضية فقط، ويعزى هذا الارتفاع الى مواكبة رئاسة النيابة العامة لعمل أعضاء شبكة نواب الوكلاء العامين للملك لدى محاكم المملكة في إطار التصدي لهذه الجريمة الخطيرة ورفع مستوى التنسيق مع باقي أجهزة البحث والتحقيق قصد إعمال مؤشرات التعرف على ضحاياها وبالتالي تيسير الوصول الى مختلف الفاعلين والمشاركين فيها وتقديمهم للمحاكمة طبقا لما يقضي به القانون.
وفي ذات السياق وتفعيلا للاتفاقية المبرمة بين رئاسة النيابة العامة والاتحاد الوطني لنساء المغرب ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بشأن الحد من الهدر المدرسي بهدف الوقاية من زواج القاصر شاركت النيابة العامة بفعالية في التعبئة القوية لإعادة إدماج المنقطعين عن الدراسة حيث بلغ عدد الأطفال المسترجعين برسم الموسم الدراسي 2022/2023 (107877) تلميذاً وتلميذةً شكل عدد الإناث منهم (42695) وهي كلها مجهودات تندرج ضمن تنزيل التوجيهات المولوية السامية لصاحب الجلالة بشأن حماية النساء والطفولة من مختلف أشكال الاستغلال والانحراف.
ومن نفس المنطلق ومن أجل تفعيل دور النيابة العامة في الحد من الزواج المبكر اقتناعا بما له من آثار سلبية على التنشئة السليمة للطفلات وتماشيا مع فلسفة المشرع من جعله استثناء من الأصل دأبت النيابة العامة على تقديم ملتمساتها الرامية إلى رفض طلبات الإذن بزواج القاصر كلما اقتضت مصلحته الفضلى ذلك، حيث بلغ عدد هذه الملتمسات سنة 2023 ما مجموعه 12235 ملتمسا برفض الإذن بزواج القاصر مقابل 16166 سنة 2022.
وإذا كان النص القانوني قد خول للقاضي إمكانية البت في الطلب المتعلق بالإذن الخاص بزواج القاصر إما بناء على خبرة طبية أو بحث اجتماعي، فإن النيابات العامة دأبت على تقديم
ملتمسات تروم المطالبة بتفعيل الإجراءين المذكورين معاً بلغ عدد 7247 سنة 2023 ملتمساً مقابل 7288 سنة 2022.
وقد عرفت طلبات الإذن بزواج القاصر نتيجة لذلك انخفاضا ملموسا حيث سجلت سنة 2023 حوالي 14197 طلبا للحصول على هذا الإذن ، تم رفض 5240 منها، بينما تمت الاستجابة إلى 8452 طلباً فيما تم خلال سنة 2022 تسجيل حوالي 20097 طلبا للإذن بهذا الزواج ، تم رفض 6445 طلبا منها، والاستجابة لما مجموعه 13652 طلبا، علماً أن الممارسة القضائية مستقرة حالياً في تحديد سن 17 سنة لمنح الإذن بهذا النوع من الزواج ، أي بنسبة انخفاض في الاستجابة للطلبات المذكورة بلغت 61 % .
في مجال حماية النظام العام الاقتصادي وتحسين مناخ الأعمال:
إعمالا لدورها في مواكبة وثيرة التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي عرفه المغرب وانسجاما مع التوجهات الملكية السامية الرامية إلى تفعيل دور القضاء في تحسين مناخ الأعمال، فقد انخرطت النيابات العامة لدى المحاكم التجارية خلال سنة 2023 في اتخاذ مجموعة من المبادرات لحماية النظام العام الاقتصادي ومساعدة المقاولات المتعثرة، حيث تقدمت بما مجموعه 111 طلبا تتعلق كلها بمساطر صعوبات المقاولة، منها 15 طلبا يهدف إلى الحكم بفتح مسطرة التسوية في حق الشركات التي تعاني من صعوبات مالية أو اقتصادية أو اجتماعية.
كما تقدمت بما مجموعه 13طلبا من أجل تطبيق العقوبات المدنية من قبيل تحميل خصوم المقاولة أو سقوط الأهلية التجارية في حق المسيرين الذين ارتكبوا أخطاء في التسيير أثرت بشكل سلبي على وضعية المقاولة.
بالإضافة إلى تقديمها لما يقارب 1981 ملتمسا كتابيا يتعلق بمختلف مراحل مساطر صعوبات المقاولة، وإحالة 3 تقارير تتعلق بارتكاب المسيرين لجرائم التفالس أو إحدى الجرائم الأخرى المعاقب عليها بموجب مدونة التجارة على النيابات العامة المختصة لتحريك المتابعات الجنائية بشأنها، علماً أن عدد الملتمسات الكتابية المقدمة من طرف النيابات العامة لدى المحاكم التجارية في قضايا مساطر صعوبة المقاولة عرف ارتفاعاً ملحوظاً بالمقارنة مع سنة 2022 التي سجلت 1425 ملتمساً كتابياً في قضايا صعوبة المقاولة.
في مجال تخليق الحياة العامة وحماية المال العام:
تجعل رئاسة النيابة العامة من تخليق الحياة العامة ومكافحة مظاهر الفساد المالي أحد أولوياتها في تنفيذ السياسة الجنائية وفق مقاربة متكاملة ومستدامة تعكس انخراط المملكة المغربية في ورش مكافحة الفساد المالي بكل مظاهره.
وفي هذا الإطار، فقد أظهر إحداث آلية الخط المباشر الذي وضعته رئاسة النيابة العامة للتواصل مع عموم المواطنين ومرتفقي العدالة نجاعة اعتماده كوسيلة فعالة للتبليغ عن جرائم الرشوة والفساد، حيث مكن استعماله خلال سنة 2023 من ضبط 56 مشتبها فيه في حالة تلبس بالرشوة، مقابل 38 حالة خلال سنة 2022، ليصل بذلك العدد الإجمالي للأشخاص الذين تم ضبطهم منذ شهر ماي 2018، تاريخ انطلاق العمل به ما مجموعه 299 شخصا وذلك إلى غاية نهاية دجنبر من سنة 2023 ، كما تجدر الإشارة إلى أن رئاسة النيابة العامة تعمل حاليا على تطوير هذه الآلية بما يعزز تحقيق الغاية المرجوة منها.
وفي إطار تعزيز التنسيق والتعاون مع هيئات الرقابة والحكامة المالية والمؤسسات ذات الاهتمام المشترك المعنية بمكافحة الفساد، فقد توصلت رئاسة النيابة العامة خلال سنة 2023 ب (14) تقريرا من المجلس الأعلى للحسابات مقابل (06) تقارير خلال سنة 2022تمت احالتها على النيابات العامة المختصة قصد فتح الأبحاث اللازمة بشأنها.
كما تم التوصل أيضا خلال سنة 2023 بأربع تقارير من المفتشيات المركزية ببعض الوزارات وبعض المؤسسات العمومية.
وقد شكلت كل هذه التقارير منطلقاً لأبحاث قضائية تهم تبديد واختلاس المال العام أو الرشوة، ومن نتائج هذه الإجراءات تسجيل 138 قضية رائجة أمام قضاء التحقيق و374 قضية رائجة أمام قضاء الحكم بأقسام الجرائم المالية الأربع بكل من الدار البيضاء ، الرباط ، فاس ومراكش ، هذا فضلا عن فتح أبحاث قضائية وترتيب الآثار القانونية بشأن ما يزيد عن 243 شكاية ووشاية تم التوصل بها من طرف أشخاص وهيئات من المجتمع المدني تصب في نفس الاتجاه.
وستتواصل النيابات العامة المعنية جهودها الرامية إلى انهاء الأبحاث من قبل مصالح الشرطة القضائية والتي تتميز بتعقيدها وامتداداتها، وكذا بكثرة المستندات والوثائق المكونة لها وطبيعتها التقنية في بعض الأحيان.
في مجال مكافحة جرائم غسل الأموال والجرائم المرتبطة بها
لقد انخرطت النيابة العامة في الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بمكافحة هذا النوع من الإجرام الخطير، والتي انبثقت عن توصيات مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط على ضوء عملية التقييم المتبادل التي خضعت لها بلادنا، حيث عملت النيابة العامة على تنزيل جميع الإجراءات الواردة في خطة العمل الموضوعة من قبل المجموعة المذكورة، وقد كان من ثمار هذه المجهودات المنبثقة والمشتركة، مع باقي الشركاء خروج بلادنا من عملية المتابعة المُعزَّزة خلال سنة 2023.
وقد عرف هذا النوع من القضايا ارتفاعا ملحوظاً خلال السنتين الأخيرتين، حيث وصل عدد إحالات النيابة العامة بشأن شبهة غسل الأموال خلال سنتي 2022 و 2023 ما مجموعه 1735 إحالة.
وفي إطار تعزيز آليات التنسيق والتعاون الوطني والرفع من جودة التحقيقات المالية الموازية فقد أبرمت رئاسة النيابة العامة عدة اتفاقيات شراكة وتعاون مع مؤسسات وهيآت وطنية، وفي هذا الإطار مكن التعاون مع بنك المغرب من إحداث آلية لدعم الأبحاث المالية الموازية والحصول على المعلومات المالية حول الحسابات البنكية في وقت وجيز لا يتجاوز ستين (60) دقيقة.
في مجال تعزيز التعاون والتنسيق المؤسساتي الوطني والدولي
إن تعزيز التعاون والتنسيق بين مختلف السلط والمؤسسات الفاعلة في مجال العدالة يبقى هو السبيل الأمثل في تنزيل برامج إصلاح منظومة العدالة وتطويرها، لذلك فقد أخدت رئاسة النيابة العامة على عاتقها اعتماد وتفعيل استراتيجية تواصلية ومقاربة منفتحة قوامها نسج علاقات تعاون مع المؤسسات الوطنية والسلطات القضائية الأجنبية والمؤسسات والمنظمات الدولية ، حيث تجسد ذلك على عدة مستويات تتمثل أساسا في توقيع مجموعة من مذكرات التفاهم من بين أهمها الاتفاقية ثلاثية الأطراف الموقعة بتاريخ 19 يونيو 2023 مع كل من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة والتي تم بموجبها إحداث إطار عام للتعاون والشراكة بين الأطراف قصد تعزيز حماية الأطفال في تماس مع القانون.
كما تم أيضا خلال سنة 2023 توقيع مجموعة من مذكرات التعاون المشتركة مع عدد من رؤساء النيابات العامة بعدد من الدول من بينها المملكة العربية السعودية، وجمهورية كينيا والجمهورية الإيطالية، والتي تروم تعزيز سبل مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وكافة الأشكال الجديدة للإجرام ولاسيما جرائم غسل الأموال، المخدرات ، الاتجار بالبشر والجرائم المعلوماتية وأيضا وضع برامج لتبادل التجارب والممارسات الفضلى والناجعة.
وفي نفس السياق، وبفضل القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وتوجيهاته السامية بانفتاح بلادنا على محيطها الإقليمي والدولي، فقد احتضنت بلادنا أشغال الاجتماع السنوي الثالث لجمعية النواب العموم العرب تحت عنوان “من أجل حوار قضائي عربي مستدام”، وذلك خلال الفترة من 29 نونبر إلى 1 دجنبر 2023 بمدينة مراكش، أثمرت أشغاله عن انتخاب رئاسة النيابة العامة لتولي مهام الأمانة العامة لهذه الجمعية المذكورة. كما صاحب هذا الاجتماع تنظيم ندوة دولية على هامشه حول موضوع “جهود النيابات العامة بالدول العربية في مكافحة جرائم الفساد: غسل الأموال، تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر – التحديات والإكراهات” أسفرت أشغالها عن إصدار مجموعة من التوصيات الهادفة إلى تعزيز التعاون القضائي الدولي لمحاربة كل أشكال الجريمة.
في مجال التعاون القضائي الدولي
بالنظر للدور الكبير الذي تلعبه آليات التعاون القضائي الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة بكافة أشكالها، حرصت النيابة العامة على التفاعل الإيجابي مع هذه الآليات من خلال تدبير طلبات التعاون القضائي التي ترد عليها، حيث تم التوصل خلال سنة 2023 بـ 246 إنابة قضائية دولية، مقابل 48 إنابة قضائية وطنية وُجهت للسلطات القضائية الأجنبية، كما أصدرت النيابات العامة لدى محاكم المملكة 171 أمرا دوليا بالبحث وإلقاء القبض فيما تم التوصل ب 137 أمرا دوليا ، أما بخصوص طلبات تسليم المجرمين، فقد تم التوصل ب 39 طلبا، في حين وجهت السلطات القضائية المغربية 70 طلبا ، كما تلقت 27 شكاية رسمية من السلطات القضائية الأجنبية.
وفي إطار التفاعل الإيجابي مع مختلف القضايا المرتبطة بوضعية الأجانب داخل التراب الوطني تعمل النيابة العامة على تتبع قضايا المتابعين منهم أمام القضاء المغربي حيث بلغ عددها 1766 متابعا خلال سنة 2023، وكذا قضايا الاختطاف الدولي للأطفال والتي بلغ عددها 33 قضية خلال سنة 2023.
في مجال تعزيز التكوين المستمر وتطوير القدرات:
تولي رئاسة النيابة العامة أهمية بالغة للرفع من مستوى مؤهلات قضاة النيابة العامة في مجال تدبير العدالة وتعزيز قيم النزاهة والشفافية واحترام أخلاقيات المهنة، فضلا عن تكريس النجاعة والفعالية في مجال الإدارة القضائية.
ومن هذا المنطلق، عملت رئاسة النيابة العامة خلال سنة 2023 على اعتماد برامج للتكوين استفاد منه ما يناهز 727 مشاركا يمثلون قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم وضباط الشرطة القضائية بالإضافة إلى بعض الأطر من إدارات أخرى، من بينها مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج وقطاعات أخرى.
وقد تمحورت هذه الدورات التكوينية حول مواضيع ذات راهنية آنية كما شكلت أيضا فرصة لتبادل الخبرات والتجارب وتقاسم الممارسات الفضلى، وكذلك طرح التحديات والإكراهات التي تواجه أجهزة إنفاذ القانون والحلول المقترحة لمواجهة بعض مظاهر الإجرام الذي بات يهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي، من قبيل ضمانات المحاكمة العادلة وحماية الفئات الهشة، وآليات التعاون القضائي الدولي في مجال مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود وتقييم المصلحة الفضلى للأطفال المهاجرين غير المرفقين ووضع حلول دائمة لتحقيق مصلحتهم الفضلى فضلا عن محور يرتبط بحماية النظام الاقتصادي ونظام المنافسة.
وفي نفس السياق ، فقد شكل موضوع “العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية” محور أشغال سلسلة الدورات التكوينية الجهوية التي نظمتها رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي وتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية استفاد منها 1076 مشاركا من مسؤولين قضائيين على النيابات العامة ونوابهم وقضاة التحقيق ومسؤولي الشرطة القضائية ، انعقدت على التوالي بكل من مدن فاس، مراكش، الدار البيضاء، أكادير وطنجة خلال الفترة الممتدة من 24 ماي إلى 14 يوليوز من سنة 2023، والتي اختتمت أشغالها بعقد لقاء تواصلي تنسيقي بمدينة مراكش يومي 08 و09 نونبر من نفس السنة خصص لبلورة تصورات وصياغة مقترحات حول الآليات الكفيلة بتنزيل التوصيات المنبثقة عن هذه الدورات التكوينية وتحديد مؤشرات قياسها في أفق إعداد دليل عملي يجري إعداده حالياً من قبل لجنة تمثل مختلف المؤسسات المذكورة.
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة رؤساء الغرف والهيئات والمستشارون؛
حضرات السيدات والسادة الحضور الأفاضل؛
إن هذه الالتقائية اليوم تعد محطة سنوية نفتخر بها ليس فقط لاستعراض الخطوط العريضة لحصيلة نشاط النيابة العامة لدى مختلف محاكم المملكة وإنما لكونها فرصة أيضاً لتقييم هذه الحصيلة وانطلاقة تعميق النقاش حول السبل الناجعة لمواجهة التحديات التي يواجهها تنزيل السياسة الجنائية.
ومن هذا المنطلق، فإن توفير المناخ المناسب لتطوير العدالة وتعزيز نجاعتها وإنماء قدراتها المؤسساتية لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية لا يقتصر فقط على تحديث التشريعات، بل يقتضي أيضا التأهيل المؤسساتي وإذكاء الثقة في العدالة وتوفير الأمن القضائي للمتقاضين والرفع من حكامة الإدارة القضائية وتخليق منظومة العدالة والتحلي بالمسؤولية والجدية وتأهيل الموارد البشرية من أجل التفاني في العمل باعتبار كل ذلك قيماً جوهرية ينبغي أن نعمل على تجسيدها قولا وعملا كما أكد على ذلك جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش المجيدة بتاريخ 30 يوليوز 2023 والذي جاء فيه:
“…والجدية يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات:
الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة.
وفي المجال الاجتماعي، وخاصة قطاعات الصحة والتعليم والشغل والسكن.
كما أن الجدية التي نريدها، تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال.
والجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص…” انتهى النطق الملكي السامي.
وفي هذا السياق، فإن قضاة النيابة العامة يؤكدون اعتزازهم بما تضمنته هذه التوجيهات الملكية السامية من قيم ومبادئ وتشبعهم بها والتزامهم بالتحلي بأعلى درجات المسؤولية والجدية، كما سيعملون على مضاعفة جهودهم في سبيل التفاني في تحقيق المصالح العليا للوطن والمواطنين.
وإننا لعاقدون العزم على مواصلة العمل لتنزيل استراتيجية رئاسة النيابة العامة الهادفة إلى المساهمة في حماية أمن المجتمع وتخليق الحياة العامة ومحاربة كافة أشكال الفساد المالي وتكريس سيادة القانون وتعزيز انفتاح النيابة العامة على محيطها وهو ما سنسعى إلى تحقيقه من خلال جملة من التدابير من بينها:
– الحرص على حماية أمن واستقرار المجتمع وصون الحقوق والحريات وتعزيز سيادة القانون وترسيخ مبدأ المساواة أمامه.
– التصدي لجميع الجرائم التي تبلغ إلى علم النيابة العامة ومباشرة الإجراءات اللازمة للبحث والمتابعة بشأنها ولاسيما محاربة بعض المظاهر الإجرامية الأكثر خطورة من قبيل الجرائم المالية وجرائم غسل الأموال والجرائم المنظمة والعابرة للحدود الوطنية بكل أشكالها.
-الرفع من نجاعة تدبير النيابة العامة للأبحاث الجنائية وذلك من خلال الحرص على إنجازها داخل الآجال التي تم التوافق عليها مع المصالح المسؤولة إداريا على ضباط الشرطة القضائية.
– مواصلة تعزيز التعاون والتنسيق مع مصالح الشرطة القضائية من أجل تجويد العدالة الجنائية حتى ترقى إلى مستوى التطلعات عبر توحيد الرؤى ووضع خطط عمل ناجعة في مجال تدبير الأبحاث الجنائية.
-مواكبة التنزيل الفعلي لمخرجات وتوصيات اللقاءات التنسيقية المنعقدة مع الشرطة القضائية في مجال تجويد العدالة الجنائية وتحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية من خلال بلورة آليات مناسبة لحسن تنزيلها وتحديد مؤشرات قياسها وضمان بروز آثارها على مستوى واقع الممارسة العملية.
– تعزيز دور النيابة العامة في مجال تخليق الحياة العامة ومحاربة كافة أشكال الفساد المالي والسهر على إنهاء الأبحاث الجنائية والمساهمة في تجهيز الملفات ذات الصلة.
-تسطير برامج للتكوين المستمر لفائدة قضاة النيابة العامة وباقي أجهزة إنفاذ القانون في مجال التحقيقات الجنائية بشراكة وتنسيق مع شركائنا في المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني وقيادة الدرك الملكي.
– الحرص على النهوض بدور النيابة العامة في حماية النظام العام الاقتصادي وتحقيق الأمن القضائي للفاعلين الاقتصاديين عن طريق تسخير الآليات القانونية المتاحة للمساهمة في تعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على كسب رهان التنمية المستدامة بما يتماشى مع التوجيهات الملكية السامية في هذا الخصوص بشأن خلق الوسائل الكفيلة بتشجيع الاستثمار وترسيخ أسس الإنعاش الاقتصادي ومواكبة الفاعلين في المجال.
-الحرص على قيام المسؤولين القضائيين بالنيابات العامة بإعداد برامج عمل سنوية ومواكبة تنزيلها اعتماداً على مؤشرات قابلة للقياس لتحقيق النجاعة المطلوبة.
– تعزيز تنسيق الجهود مع مختلف المتدخلين والعمل بشكل تشاركي للقضاء على العنف ضد النساء والأطفال وتطوير آليات التكفل بضحاياه والحد من زواج القاصر.
-مواصلة تطوير سياسة انفتاح النيابة العامة على محيطها الخارجي والتواصل مع الرأي العام وفعاليات المجتمع المدني والفاعلين في قطاع العدالة.
– تفعيل دور الناطقين باسم النيابات العامة في التفاعل مع الرأي العام في القضايا التي تستدعي ذلك والانفتاح على محيطها الخارجي.
– تعزيز التنسيق والتواصل بين المسؤولين القضائيين بالنيابات العامة والسادة النقباء ورؤساء الهيئات المهنية القانونية بهدف تجاوز الصعوبات التي تعترض السير العادي للعدالة وإيجاد الحلول المناسبة لها.
-مواصلة تفعيل الأدوار الموكولة للنيابة العامة في مجال مراقبة المهن القانونية والقضائية وذلك حماية لحقوق المتقاضين وتعزيز إذكاء الثقة في هذه المهن.
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة رؤساء الغرف والهيئات والمستشارون؛
حضرات السيدات والسادة الحضور الأفاضل؛
لا شك في أن المجتمع ينتظر منا الشيء الكثير، ولذلك فإن العزم لأكيد على تسخير كل الإمكانات المتاحة من أجل تطوير مؤسسة النيابة العامة بما يكفل القيام الأمثل بمهامها القانونية في تنفيذ السياسة الجنائية لتعزيز الحماية القانونية للأفراد والجماعات والذود عن النظام العام والتصدي للجريمة، ومن هذا المنطلق فإننا ندعو إلى التسريع بإصدار القوانين لا سيما المواكبة منها لهذا المنظور، ومن بينها على الخصوص القانون الجنائي والمسطرة الجنائية والقوانين المنظمة للمهن بهدف تجاوز الصعوبات والإشكالات المطروحة التي أظهرتها الممارسة العملية حاليا ، مع التعجيل بإخراج قانون العقوبات البديلة أيضا إلى حيز الوجود والعمل على توفير البنيات المؤسساتية الضرورية لتنفيذ تدابير الحماية المقررة لفائدة ضحايا الاتجار بالبشر والأطفال ضحايا الجرائم، لا سيما مراكز الإيواء للنساء المعنفات وتوفير آليات قانونية وإمكانيات لوجستيكية فعالة لتطوير الأبحاث والتصدي للأشكال الحديثة للجريمة، فضلا عن تطوير النظم المعلوماتية ذات الصلة بعمل النيابات العامة بما يسمح بشمول هذه النظم لجميع المراحل التي تمر منها الإجراءات بالنيابة العامة (لاسيما مسطرة الصلح، الإكراه البدني في الديون العمومية والخصوصية، الإجراءات المتخذة في حق الأشخاص المستنطقين أثناء التقديم وغيرها من الإجراءات وتدبير مكاتب الضبط…) كما نؤكد على ضرورة وضع برامج وطنية للوقاية من الجريمة تساعد على الحد من أسباب الإجرام، وتنسيق جهود مختلف القطاعات المعنية بمكافحة الجريمة.
والأكيد أن كل هذه المهام التي تقع على عاتق قضاة النيابة العامة تتطلب تعزيزها بالموارد البشرية سواء تعلق الأمر بالقضاة أو الأطر، لا سيما أن عدد قضاة النيابة العامة سجل في السنتين الأخيرتين انخفاضا ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، ففي سنة 2022 انخفض هذا العدد إلى 1078 قاضيا بنسبة تناهز ناقص %2.31 مقارنة مع العدد المسجل سنة 2021 الذي كان يبلغ فيه العدد 1103 قاضيا، علما بأن معدل قضاة النيابة العامة لكل 100.000 نسمة لا يتجاوز 3 قضاة وهو معدل ضئيل مقارنة بالمعدلات الأوروبية التي تتجاوز 11 قاضيا لكل 100.000 نسمة.
لذلك فإن أمل تحقيق الأهداف المسطرة والنهوض بحجم الانتظارات التي تقع على عاتق النيابة العامة يتطلب تعزيزها بالموارد البشرية اللازمة تقدر آنيا بحوالي 1000 قاضية وقاض.
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة رؤساء الغرف والهيئات والمستشارون؛
حضرات السيدات والسادة الحضور الأفاضل؛
في ختام هذه الكلمة لا يسعني إلا أن أعرب لكم السيد الرئيس الأول من جديد عن خالص عبارات الشكر وعظيم العرفان والامتنان على كل ما تبدلونه من عطاء دؤوب وسهر متواصل في سبيل الرفعة من مستوى العدالة وتعزيز الثقة فيها، معبرا لكم عن الاعتزاز بالمستوى العالي من الانسجام الذي يجمع رئاسة محكمة النقض وقضاتها وأطرها مع زملائهم بالنيابة العامة في مجموعة من برامج العمل المشترك والتي كان لدعمكم المتواصل الأثر الملموس في تحقيق أهدافها.
كما أتوجه بعبارات الشكر والثناء للسيد وزير العدل عن مستوى التعاون المتميز والتنسيق المتواصل وروح المبادرة الإيجابية في تفاعله مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة بهدف تدبير المواضيع المشتركة والسعي لإيجاد الحلول المناسبة لكل الإشكالات والمعيقات التي تعترض سير العمل بالمحاكم على الوجه المطلوب بما يعكس روح التعاون والعمل المشترك لما فيه مصلحة العدالة ببلادنا.
كما أتوجه بذات المناسبة بالشكر الجزيل أيضاً لكافة السادة المستشارين والمحامين العامين وأطر كتابة الضبط وكتابة النيابة العامة بمحكمة النقض وعبرهم لمختلف جنود محاكم المملكة من قضاة ومسؤولين قضائيين رئاسة ونيابة عامة ومسؤولين إداريين وأطر كتابة الضبط لما يبذلونه من جهود دؤوبة وتفان في القيام بالواجب خدمة للمصلحة العامة بكل حزم وجدية.
والشكر الجزيل والامتنان الموصول للسيد المدير العام للأمن الوطني المدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني والسيد قائد الدرك الملكي ولكل مسؤولي ومكونات الشرطة القضائية على اختلاف أصنافهم عرفاناً لهم بالمجهودات الجبارة التي يبذلونها في سبيل مد يد العون للعدالة عموماً وللنيابة العامة خصوصاً وكذا لتفاعلهم الإيجابي مع كل المبادرات التي ما فتئت رئاسة النيابة العامة تدعو إليها وفق مقاربة تشاركية في إطار التعاون المؤسساتي بهدف تجويد أداء العدالة المغربية.
كما أتوجه بالشكر الجزيل للسيد رئيس جمعية هيئات المحامين والسادة النقباء وأعضاء هيئة الدفاع والسادة رؤساء مجالس المهن القانونية وكل مساعدي القضاء على المجهودات التي يبذلونها خدمة للعدالة وتيسيرا للسبل الكفيلة بتجاوز العراقيل التي تعترض أداء المهام النبيلة التي نسعى لتحقيقها جميعاً.
كما نسأل الله تعالى بفضله تمام السداد ومنته للرشاد وتوفيقه للمراد، لنكون عند حسن ظن صاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أدام الله تعالى نصره وعزه وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد، وكافة أسرته الشريفة إنه سميع مجيب.
قال الله تعالى في سورة النساء الآية 173﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ صدق الله العظيم. آملين من الله عز وجل أن نكون من بينهم.
وختاما، ألتمس منكم السيد الرئيس الإعلان عن افتتاح السنة القضائية 2024 بهذه المحكمة والإذن للسادة المسؤولين القضائيين بمحاكم الاستئناف بافتتاح السنة القضائية أيضا بمحاكمهم، وأمر السيد رئيس مصلحة كتابة الضبط بتحرير محضر بوقائع هذه الجلسة للرجوع إليه عند الحاجة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.