بقلم لحسن حبيبو
ان المتتبع لمسار الدراسات التاريخية حول التواجد اليهودي بالمغرب ،يلاحظ هذا الزخم من الدراسات التي تناولت بالدراسة والتحليل خصوصيات الهوية التاريخية لليهود بارض المغرب ، ومحدداتها الينيوية في ابعادها اللغوية والاجتماعية والاقتصاديةوالتراثية ..بحيث تتقاطع عناصر هذه الدراسات مع تاريخ الانسان والاتنية والميتولوجيا والاركيولوجيا والسيميائية وعلم الاجتماع.. وبناء عليه ،فان المخيال الاجتماعي اليهودي ،يتحدد عبر تصورات ورموز ودلالات ومعايير وقيم …قد يمتد على طول ازمنة متفاعلة مع سياقات ثقافية اخرى،أو من خلال شريط تاريخي من التعايش مع اجناس استوطنت المغرب او عبر التلاقح الحضاري مع حضارات عريقة تقاسمت معها المجال الجغرافي ، اما على شكل استعمار او غزو او نزوح جماعي او تجاري ، مما اكسب العنصر اليهودي هويته المحلية ،ولعل هذا ما اشار اليه لفي شمعون ،في مضمار دراسته حول التاريخ والحضارة اليهودية المغرىبية ،حين اعلن عن انتسابه (للهوية اليهودية والمغربية في ان معا…)……
إن حياة اليهود بارض المغرب ،ساهم في تشكلها عناصر ثقافية اخرى ،قامت بارساء وبلورة حضارة تعايشية طيلة ازمنة الحضارة العربية الاسلامية ،وبتزامن مع انساق الزمن الفنيقي والروماني ،مرورا بالدول المتعاقبة على حكم المغرب ابتداء من الادارسة ….. وانتهاء بالحضور القوي لليهود ابان الحماية الفىرنسية وما تلاها من تدخل المخابرات الصهيونية في عملية التهجير الجماعي الى ارض الميعاد حسب تعبيرهم …وهذا ما يجعلنا بالضرورة نتوجه نحو التاصبل التاريخي والجغرافي للعنصر اليهودي بالمغرب بكل تمظهراته التاريخية والتراثية ،ونقصد بالتراث( المخزون النفسي عند الجماهير )، حسب حسن حنفي.
ووفق رؤية منهجية شمولية ،تؤطر دراستنا نحو بناء افق نظري ،تنتظم فيه الاحداث والوقائع والعلاقات ،في مشهد تاريخي يتسم بالتعايش وحسن الجوار …
ويرجع اصل اليهود إلى الجد الأكبر ابراهيم، ومن بعده إسحاق ويعقوب وأولاده الاثنى عشر، وهم من الأعراف السامية التي استقرت بشبه الجزيرة العربية، ومنهم بنو إسرائيل الذين استقروا بمصر القديمة، و انتقلوا إلى صحراء سينا، وقد عرفوا بالعبرانيين، وذلك لانتسابهم إلى ابيهم ابراهيم الذي عبر النهر الى آشور… وينقسم اليهود بالمغرب إلى قسمين :
الطشاييم وهم الذين سكنوا المغرب قبل الفتح الاسلامي العربي، بعدما سلبت القدس من طرف البابليين في عهد الحاكم باخوسا الذي خرب هيكل سليمان في سنة 586قبل الميلاد ودمر فلسطين، فنزحوا بعضهم إلى المغرب والبعض الاخر إلى أوربا بحوض البحر الأبيض المتوسط، ، مارسوا التجارة مع القرطاجيين، بحيث استطاعوا بحنكتهم وبراعتهم في مجال التجارة وصناعة الذهب والحلي إلى تكوين شبه إمارات او مماليك بالمغرب والجزائر، فكانت سجلماسة من أشهرها نفوذا، وأقدمها مجالا، وأوفرها حظا، من حيث سلطتها الاقتصادية، ومكانتها المرموقة كأعلى هرم في السلك الاجتماعي مقارنة بباقي الأجناس الأخرى كالامازيغ….أما الثانية فتشكلت في منطقة الأوراش بالجزائر والتي حكمتها الملكة ديهية الكاهنة التي قاومت الغزو العربي الاسلامي طيلة اربع سنوات الا ان قتلت في المعركة.
أما القسم الثاني فهم( المغوراشيم) وبالعبرية (المطارد) اي الذين طردوا من اسبانيا والبرتغال من طرف فرناندو وازبيلا عام 1492،بعد سقوط آخر إمارة عربية إسلامية بغرناطة، وبهذا فإن يهود جبل طارق وسبتة ومليلية هم أحفاد المطرودين من اسبانيا والبرتغال، وقد استوطنوا بالمدن الكبرى، وفي أحياء منعزلة تسمى بالملاحات، مارسوا انشطتهم الدينية والعقائدية والاقتصادية بأريحية وحرية، مستفيدين من التعايش التاريخي الذي طبع الحياة اليهودية بالمغرب منذ القدم، إذ منحتهم سمة اهل الذمة المكانة المحترمة، والاستقلالية النسبية في تدبير شؤونهم الخاصة تحت السلطة المخزنية ووفق ما تنص عليه المعاملات التجارية والجبائية، وايضا مساهمتهم ومشاركتهم الأساسية في تدبير دوليب الحكم والشأن السياسي للدولة المركزية….
و تجدر الإشارة إلى( حرية الحركة والتواصل الكبرى التي ميزت انذاك عالم البحر الأبيض المتوسط، وميزت وحدته الثقافية والاجتماعية _ الاقتصادية_، وهي ظواهر مثيرة للاشياء، وتفسر إلى حد ما الاستقلالية الكاملة التي كانت تتمتع بها اليهودية بالمغرب…) كما قال حاييم الزعفراني في كتابه القيم ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب…)