خلال هذا الربع قرن، قاد الملك محمد السادس الدبلوماسية المغربية نحو تحقيق انتقال استراتيجي أسفر عن انتصارات واضحة وتقدم ملموس في الدفاع عن وحدة الترابية للملكة، ويشهد على ذلك خطابه السامي بمناسبة الذكرى الـ 69 لثورة الملك والشعب، حيث أكد على أن ملف الصحراء هو « النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم » وأن وضوح مواقف الدول تجاه هذا الملف، بشكل لا يقبل التأويل، مطلوب لاستمرار الشراكات معها.
هذا وتعدت جهود المملكة ملف الصحراء المغربية، لتشمل استراتيجية التوجه إلى عمق إفريقيا، بفضل نهج الملك محمد السادس، في العشرين سنة الأخيرة، استراتيجية جنوب جنوب، المبنية على سياسة إرادية في التعاون مع باقي البلدان الإفريقية، قوامُها المسؤولية المشتركة والتضامن.
ملف الوحدة الترابية محور السياسة الخارجية
أكد عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، في تصريح لجريدة منارة، أن « السياسية الخارجية المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس عرفت تحولات مهمة، ساهم فيها الجوار الصعب وإكراهات التفاعل الإقليمي والدولي للمملكة، في ظل التحولات الجيوسياسية والجيوستراتيجية من جهة ، والتحولات الكبرى في النظام الدولي من جهة ثانية، إضافة إلى الأزمات الكبرى التي عانى منها العالم، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد، وعلى رأسها جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية على أوكرانيا وغيرها من الأحداث الكبرى، التي تجعل فاعلية السياسة الخارجية في حاجة إلى استراتيجيات محكمة لتعزيز موقع المملكة في كل هذه التوازنات الدولية القائمة ».
وأوضح البلعمشي أن جلالة الملك حدد مرتكزات جديدة لسياسته الخارجية، جعلت المملكة تتفاعل مع المحيط الدولي بتنوع في تصريف هذه السياسة، بحيث أضحت المملكة، يضيف المصدر « تضع أسقفا للتعامل معها، بعدما أكد جلالته أن الموقف من قضية الوحدة الترابية للملكة، لا بد له وأن يكون واضحا لاستمرار هذه الشراكات، أي أن السياسية الخارجية المغربية أصبحت تضع خطوطا حمراء وشروطا في التفاعل بشكل طبيعي وإيجابي ».
التوجه الملكي نحو إفريقيا.. رافعة أساسية للسياسة المغربية الخارجية
في هذا السياق، أفاد البلعمشي أن جل دول العالم والقوى الاقتصادية تسعى إلى الانخراط في الإستراتيجية المغربية الموجهة نحو إفريقيا، بحيث « أضحت المملكة بقيادة جلالته عتبةً لا بد منها لأي قوى دولية اقتصادية تطمح في المرور للتفاعل مع إفريقيا، نظرا للبنية التحتية التي وفرتها المملكة داخل إفريقيا، مثل القطاع البنكي، والأولوية التي يوليها جلالة الملك في سياسته للقارة الإفريقية من أجل تعزيز موقعها التفاوضي، والعمل على الانتصار لهذه الدول التي تسعى إلى الديموقراطية وحقوق الإنسان والتنمية، في مواجهة الدول الأخرى التي بقيت حبيسة منطق الهيمنة ».
وزاد ذات المصدر أن احترام رؤساء وملوك وأمراء دول العالم لجلالة الملك، نابع من التزام جلالته بالقضايا الدولية العادلة وبالقانون الدولي العام وتدبير الإكراهات والإشكالات الكبرى ومساهمة المغرب في المحافل الدولية، إضافة إلى عمله الدائم على مواجهة الإشكالات الكبرى المتعلقة بالبيئة وحقوق الانسان، على اعتبار أن جلالة الملك هو رائد الاتحاد الإفريقي في مجال الهجرة، والمغرب دولة مساهمة بشكل كبير في هذه التوجهات.
وأكد أن كل هذه المسارات تفيد بأن « المغرب بقيادة جلالة الملك قد نجح في تعزيز موقعه في التوازنات الدولية وفي شمال افريقيا، وأصبحت الكفة تميل لصالح المملكة المغربية على حساب القوى المنافسة سواء في إفريقيا أو في مجموعة الدول المغاربية، إضافة إلى ما أفرزته الأزمة مع إسبانيا والتوتر مع ألمانيا ومع فرنسا، فكلها عوامل تثبت أن المملكة المغربية والسياسة الخارجية المغربية جادة في الالتزام والتعاون المشترك وفق معايير جديدة حددها وزير الخارجية، ناصر بوريطة في قوله أن « مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس ».
وخلص البلعمشي إلى أن « الكفة اليوم تميل للشرعية والمشروعية، على اعتبار أن أكثر من 30 دولة تفتتح قنصليات عامة، وأن المدخل التنموي يدبره المغرب بشكل جيد، والقوى الوازنة في العالم تُقر واحدة تلو الأخرى بمغربية الصحراء وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوربية، وحتى بعض الدول التي لم تفتتح قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية، فإنها تقر بمغربية الصحراء، ومثل ذلك ومجلس التعاون الخليجي، الذي تفتتح دولتين منه فقط قنصلياتها في المملكة، هما البحرين والإمارات، لكن جل دوله تقر وتدعم بقوة مغربية الصحراء ».
يذكر أن المغرب قرر في 18 يوليوز 2016 العودة إلى الاتحاد الإفريقي بعد قطيعة دامت لـ 32 عاما، في رسالة وجهها الملك محمد السادس إلى القمة السابعة والعشرين للاتحاد التي انعقدت في العاصمة الرواندية كيغالي.
وعادت المملكة، بقيادة جلالة الملك محمد السادس إلى المنظمة الأفريقية، بعد انسحابها بقرار من الملك المغفور له الحسن الثاني، رداً على انضمام « البوليساريو » في نونبر 1984، ليكون المغرب بذلك آنذاك البلد الأفريقي الوحيد الذي لا ينتمي إلى منظمة الاتحاد الأفريقي التي حلت بديلاً لمنظمة الوحدة الأفريقية.