يضع جدري القرود النظم الصحية في دول كثيرة أمام تحديات جديدة، لاسيما بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن المرض أصبح حالة طوارئ ذات أهمية دولية، فكيف يبدو استعداد مصر والدول المغاربية لمواجهة فيروس ذلك المرض؟
مع ظهور مرض جدري القرود كتهديد صحي عالمي، تجد دول شمال إفريقيا نفسها أمام اختبار جديد لقدراتها في المجال الصحي. ويأتي فيروس هذه الجدري بعد سنوات قليلة من جائحة كورونا، ما يطرح تساؤلات حول جاهزية هذه الدول لمواجهة تحديات صحية جديدة.
طبيعة التحدي الصحي الجديد
جدري القرود مرض فيروسي نادر ينتقل من الحيوانات إلى البشر. يسبب الفيروس طفحًا جلديًا شبيهًا بجدري الماء، وهو قادر على الانتقال بين البشر من خلال الاتصال المباشر، سواءً عبر الجلد أو من خلال مشاركة الملابس والمناشف الملوثة. تشمل الأعراض الشائعة للفيروس الحمى، وتضخم الغدد الليمفاوية، وآلام العضلات، والصداع. في الوقت الذي أصبح فيه الفيروس يمثل مصدر قلق صحي عالمي، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن جدري القرود « حالة طوارئ صحية ذات أهمية دولية ».
وعلى مدى عقود، اقتصر انتشار المرض على مجموعة صغيرة من البلدان الإفريقية وبلغ معدّل الوفيات الناجمة عنه 1 إلى 10 في المئة من المصابين. كما أن سلالات جدري القرود تضيف تعقيدًا إضافيًا للتحدي الصحي. تُعرف السلالة 1، المنتشرة بشكل رئيسي في وسط إفريقيا، بأنها أكثر خطورة من السلالة 2 التي كانت وراء تفشي المرض في غرب إفريقيا خلال عامي 2022 و2023. والسلالة 1 بي، وهي متحورة من السلالة 1، ظهرت مؤخرًا وأثارت مخاوف كبيرة بسبب شدة أعراضها. كما تسببت السلالة 2 بتفشي جدري القرود الذي يحمل رسميا اسم إمبوكس عامي 2022-2023 في غرب إفريقيا بشكل خاص، وتم رصدها أيضا في جنوب إفريقيا.
خطر الانتشار إفريقيا
وتُعد بوروندي وجمهورية إفريقيا الوسطى، والكونغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والكاميرون، وغانا، وليبيريا، ونيجيريا، ورواندا، وكينيا، وكوت ديفوار وجنوب إفريقيا من أبرز البلدان التي ظهر فيها الفيروس. وبحسب موقع « أفريكا نيوز »، أعلنت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أنها ستبدأ في غضون أيام قليلة عمليات التطعيم في البلدان الإفريقية التي تكون حالات الإصابة بجدري القردة فيها أكثر انتشارا، في مقدمتها جمهورية الكونغو الديمقراطية.
الإمكانيات الصحية في دول شمال إفريقيا
يرى الخبير في علم الأوبئة والأمراض المعدية في المغرب، الدكتور الطيب حمضي في حديث مع DW عربية، أن انتشار مرض جدري القرود عالميًا لا يزال بطيئًا، لكنه يشدد على ضرورة الاستعداد بتوفير اللقاحات والعلاجات ووسائل الوقاية الصحية في المغرب، خاصة إذا تسارع انتشار المرض. وأضاف حمضي أن « تجربة كورونا أثبتت أنه من الصعب على أي دولة بمفردها تأمين كل الاحتياجات في حالة تفشي وباء عالمي ».
وأكد حمضي على خطورة الوضع في إفريقيا، مشيرًا إلى أن الدول الكبرى تتمتع بوفرة في المستلزمات الطبية واللقاحات والتحاليل الخاصة بالمرض، بينما تفتقر الدول الإفريقية لهذه الإمكانيات على الرغم من تعرضها لمخاطر أكبر. واعتبر أن هذا الوضع ينذر بإمكانية انتشار أوسع للمرض في إفريقيا نتيجة نقص المعلومات الطبية والعلاجات المناسبة.
ودعا الخبير المغربي إلى تضامن عالمي أكبر لإبطاء انتشار المرض، مؤكدًا أن ذلك يتطلب إرادة دولية جادة. وأشار إلى أن المغرب يشهد تكاتفًا بين القطاعين العام والخاص لمواجهة أي انتشار محتمل للمرض، مستفيدًا من تجربة واسعة في العزل والوقاية اكتسبتها البلاد خلال أزمة كورونا. وأوضح أن مؤسسات الجيش والأمن الطبي شاركت بفعالية في دعم القطاع الصحي العام، مما يعزز ثقة الشعب المغربي في قدرة الدولة على التدخل المناسب عند الضرورة.
كما ذكر حمضي أن المغرب وضع بروتوكولًا خاصًا في المستشفيات للكشف عن المرض وعلاجه وعزل المصابين منذ نهاية عام 2022، عندما تم اكتشاف خمس حالات تم التعامل معها بنجاح. ويظهر هذا البروتوكول يقظة الجهاز الطبي المغربي وحرصه على احتواء المرض، حيث يتم تحديث البروتوكولات الطبية باستمرار بناءً على توجيهات منظمة الصحة العالمية، خاصة مع ظهور سلالات ومتحورات جديدة للمرض.
وبحسب الخبير المغربي فإن منع دخول المرض إلى المغرب قد يكون مستحيلًا مع حرية الحركة الحالية، لكن السلطات تعمل على تشخيص فعال للمرض. وأشار إلى أن المغرب يتمتع بتجربة ناجحة في تلقيح الأطفال ضد الجدري، حيث وصلت نسبة التغطية إلى مستويات مرتفعة، مما يوفر حماية نوعية من خلال النظام الصحي. وخلص إلى أن الهدف هو تأخير دخول المرض قدر الإمكان وإبطاء انتشاره داخل البلاد في حال وصوله.
لا مخاوف كبيرة بالنسبة إلى مصر
من ناحيته يرى وائل صفوت، عضو الاتحاد الدولي لمكافحة العدوى في حديث مع DW عربية أن وباء جدري القرود يتميز بضعف قدرته على الانتشار، حيث يتطلب انتقال العدوى تلامسًا مباشرًا للجلد أو ملامسة ملابس أو مفروشات الشخص المصاب، على عكس فيروسات مثل كوفيد-19 أو الإنفلونزا التي تنتقل عبر الرذاذ أو التنفس أو الأسطح الملوثة، وهو ما يقلل من خطورته مقارنة بكورونا.
كما أشار الخبير المصري إلى وجود لقاحات يمكن استخدامها ضد جدري القرود، وهي لقاحات الجدري المعروفة. هذا يعني أن الأنظمة الصحية، بما فيها النظام الصحي المصري، مستعدة وقادرة على التعامل مع هذا الوباء.
وأكد صفوت أن انتشار جدري القرود يظل محصورًا في مناطق معينة، حيث إن 90 بالمائة من الحالات تُسجل في الكونغو و9 بالمائة في الدول المجاورة لها، بينما تنتشر 1بالمائة من الحالات في بعض دول العالم. ولذلك، فإن عملية رصد الحالات في المطارات تعتبر سهلة نسبيًا، خاصة أن أعراض الإصابة بجدري القرود تظهر بوضوح على المصابين.
بيد أن الاستشاري مجدي بدران، وهو عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة في مصر أكد في حديث مع DW عربية أن أي انتشار فيروسي عالمي يمكن أن يشكل تهديدًا على مصر، وحتى لو كان الانتشار بطيئًا، فإن التهديد يبقى قائمًا ولا يجب التقليل من شأنه. وأضاف بأن الهدف العالمي يجب أن يكون في إبطاء الانتشار قدر الإمكان حتى يتم تطوير تطعيمات فعّالة. وأكد على أهمية توجيه التحذيرات للفئات الضعيفة من أجل تعزيز الحماية المجتمعية. وأكد الإستشاري المصري أن الدولة مستعدة لمواجهة أي هجوم فيروسي، مشيرًا إلى أن تجربة كورونا علمتنا أنه لا يوجد ضمان لعدم انتشار الفيروسات. وأوضح أن هناك خططًا جاهزة للتعامل مع أي انتشار فيروسي، مع متابعة واهتمام مستمرين من قبل وزارة الصحة. وحتى الآن لم يتم رصد أي نقص في الموارد.
ماذا بالنسبة إلى ليبيا وموريتانيا وتونس؟
تعاني ليبيا من ضعف كبير في بنيتها التحتية الصحية نتيجة الصراعات المستمرة. وقد كشفت جائحة كورونا عن هشاشة النظام الصحي، ومع ظهور جدري القرود، تواجه ليبيا خطرًا كبيرًا نظرًا لضعف إمكانياتها الصحية. بناء على ذلك فإن التعامل مع هذه الأزمة يتطلب دعمًا دوليًا كبيرًا لتحسين القدرات الصحية في البلاد. كما تعد موريتانيا من الدول ذات الإمكانيات الصحية المحدودة، وقد أظهرت جائحة كورونا مدى ضعف بنيتها التحتية الصحية. لذلك فإن مواجهة جدري القرود قد تتطلب موارد كبيرة وتعاون دولي لدعم النظام الصحي، كما أن تقارير صحفية عديدة أشارت إلى قرب انهيار المنظومة الصحية في تونس خلال انتشار جائحة كوفيد 19 ما يطرح علامات تساؤل كبيرة على قدرة تونس الحالية لمواجهة أي أوبئة جديدة بفعالية حاليا.
وأعلن مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن ارتفاع حالات الإصابة بمرض جدري القردة يشكل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا، وذلك بناء على مشورة الأعضاء في اجتماع لجنة الطوارئ التابعة للوائح الصحية الدولية. وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية على موقع المنظمة الرسمي على الانترنت « إن احتمال انتشار المرض بشكل أكبر في إفريقيا يثير القلق ». بدورها، قالت إيمي بوب المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في بيان نشرته وكالة الأنباء الفرنسية إن تفشي جدري القردة شرق وجنوب إفريقيا والقرن الأفريقي يمثل « مصدر قلق بالغ » .وتابعت: « لا سيما بالنسبة للفئات المعرضة للخطر من المهاجرين والسكان كثيري التنقل والنازحين الذين غالبا ما يتم إهمالهم في هذه الأزمات ».