24 ساعةسلايدرسياسةمجتمع

علي مبارك: القرار الوزاري المشترك يشكل “إبادة جماعية” للمقاولات الصحفية الصغرى

في خضم الجدل الذي أثاره القرار الوزاري المشترك بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل ووزارة الاقتصاد والمالية، والذي استثنى المقاولات الصحفية الصغرى من الاستفادة من الدعم المخصص لقطاع الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، برزت أصوات غاضبة بين المهنيين معتبرة القرار تهديدًا للتعددية الإعلامية ولروح العدالة والإنصاف.

وفي ظل الدعوات المتزايدة لتدارس السبل القانونية للتصدي لهذا القرار، أجرى موقع “بلادنا24” حوارًا خاصًا مع الزميل علي مبارك، رئيس اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى، ألقى فيه الضوء على تفاصيل هذا القرار، وتداعياته المحتملة، وخطوات الاتحاد في مواجهة هذا الإقصاء، وأكد أن الشروط “التعجيزية” المفروضة تشكل “إبادة جماعية” لهذه المقاولات، داعياً إلى مواجهة القرار قانونياً وحماية التعددية الإعلامية.

وبالنظر إلى أهمية هذا المضامين الواردة في هذا الحوار وكذا راهنية الموضوع وكذا قيمة المحاور ومعرفته بتلابيب قطاع الصحافة والإعلام باعتباره احد المهنيين الذين خبروا خبايا ودروب مهنة المتاعب على مدى أكثر من 30 سنة، فإننا نعيد نشر الحوار كاملا لتعميم الفائدة حتى يكون المتتبعون والرأي العام الوطني على دراية بما يجري:
علي مبارك: حرمان الحكومة للمقاولات الصحفية الصغرى من الدعم إبادة جماعية وقتل رحيم للتعددية الإعلامية
تمثل المقاولات الصحفية الصغرى، جزءًا أساسيًا من المشهد الإعلامي الوطني، وتسهم في دعم التعددية الإعلامية، ومعالجة القضايا المجتمعية. في نظركم، أين تتمثل أهداف الحكومة من إقصاء هذه المقاولات من الدعم ؟.
أعتقد أن الحكومة تتعامل بترفع كبير، واستصغار، مع قطاع الصحافة بشكل عام، بل، وهناك نوع من الجهل، وعدم معرفتها بخصائص المقاولات الصغرى، وأهميتها في إغناء التعددية، ومساهمتها في إعلام القرب. وليس غريبا كل هذا الأمر، لأن الوزارة الوصية على القطاع، اشتغلت بدون مشاورات مع الفاعلين، ولا حتى هي دعتهم لوضع تصوراتهم وملاحظاتهم. وأعتقد أن جمعية الناشرين التي تدعي الوزارة أنها شريك لها، والأكثر تمثيلية، لم تتم استشارتها في موضوع تسقيف الدعم، وإلا، كيف سيتم تفسير إقصاء العديد من المقاولات التي تنضوي تحت لواء هذه الجمعية؟
إن إقصاء الحكومة، للمقاولات الصحفية الصغرى، التي تمثل جزءا أساسيا من المشهد الإعلامي الوطني، يعتبر خطوة غير مبررة من منظور اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى. ومن وجهة نظر الاتحاد، فالحكومة تجهل الدور الحيوي والأساسي للمقاولات الصحفية الصغرى، التي تلعب دورا حيويا في دعم التعددية الإعلامية في البلاد، وتساهم في تقديم تغطيات متنوعة، حتى وإن كانت ضعيفة، فهي تستوجب التكوين والدعم وليس الإقبار، فإقصاء هذه المقاولات، قد يؤدي إلى تراجع في حرية الإعلام، واحتكار لبعض الجهات الإعلامية الكبرى، مما يضر بالتوازن الإعلامي في البلاد.
نحن نعرف أن المرسوم الحكومي، والقرار الوزاري المشترك، جاء على مقاس المقاولات الكبرى، والمطابع التابعة لها، وشركات التوزيع التي توزع كل شي إلا الصحف، فهل يعقل أن يتم دعم شركة توزيع بـ600 مليون سنتيم سنويا، وهي في الأصل شركة تجارية تعتمد الربح والتجارة؟، وهل يعقل، كذلك، أن تدعم الحكومة، شركة طباعة تشغل بالكاد ثلاثة أو أربعة عمال، بـ50 مليون سنتيم شهريا؟.
لذلك، أقول، إن المقاولات الصحفية الصغرى، غالبا ما تواجه تحديات مالية أكبر من نظيراتها الكبيرة، فالدعم الموجه لهذه المقاولات يمكن أن يساعدها في مواجهة هذه التحديات. وفي حال تم إقصاؤها من الدعم، فإن هذا قد يعرض استمراريتها للخطر، ويؤدي إلى تقليص التنوع الإعلامي.
وفي الأخير، أعتقد أن إقصاء الحكومة للمقاولات الصحفية الصغرى، هو مرتبط بمحاولات الحد من تأثير الصحافة المستقلة، أو التقليل من دورها في نشر المعلومة التي قد لا تتماشى مع الخطاب الذي ترغب فيه الحكومة.
القرار الوزاري المشترك الذي يحدد أسقف الدعم بالنسبة للصحافة، اعتبره البعض “مجحفا”، و”يضرب في الصميم مبدأ العدالة والمساواة”. هل في نظركم هذا التوجه، يعكس نية الحكومة، قتل التعددية في المشهد الإعلامي؟
يمكن القول إن الاتجاه الحالي للحكومة في إقصاء هذه المقاولات من الدعم، يعزز فعلا الانطباع بأن هناك مساعي لتقليص التعددية الإعلامية في البلاد. هذا التوجه، قد يعتبر خطوة نحو إبادة جماعية، أو على الأقل، تقليص التعددية في المشهد الإعلامي، خاصة إذا ما نظرنا إلى الأرقام والإحصائيات التي تخص القطاع.
فحسب تقارير اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى، يقدر عدد الصحف والمواقع الإلكترونية في المغرب، التي تصنف ضمن الصحافة الصغرى والناشئة، بأكثر من 1500 منصة إعلامية. ولكن، مع غياب الدعم المستدام، تواجه هذه المقاولات صعوبة في البقاء على قيد الحياة. فحوالي 70 في المائة من هذه المقاولات الصحفية، تعتمد بشكل رئيسي على الدعم المالي من الدولة، سواء من خلال الإعلانات العمومية، أو الدعم المباشر، وإقصاؤها من هذا الدعم، يضع العديد منها أمام خطر الإغلاق، أو التقليص الحاد في أنشطتها.
ومنذ تأسيس الاتحاد، تم التعبير عن قلق شديد إزاء التوجهات الحكومية، التي يرى العديد من الصحافيين، وأصحاب المقاولات الصحفية، أنها تهدف إلى تقليص عدد المقاولات المستقلة، أو الصحافة الصغرى، ما قد يؤدي إلى احتكار الإعلام من قبل الشركات الكبرى، والمجموعات الإعلامية المهيمنة. وقد تم التأكيد، على أن الحكومة تضع شروطا معقدة للوصول إلى الدعم، فلم يسبق لأي حكومة أن تعاملت بهذا النوع من الجفاء، والحرب على الصحافة الصغرى، وملاحقتها، وتعمد إعدامها.
فإقصاء الصحافة الصغرى، قد يفضي إلى زيادة تأثير وسائل الإعلام الكبرى، التي غالبا ما تُركز على القضايا الوطنية الكبرى، وتتجاهل المشاكل المحلية والاجتماعية التي تهم شريحة واسعة من المواطنين. كما سينتج عن هذا الاقصاء، هجرة الصحافيين نحو منصات التواصل الدولية الأكثر حرية، وغير المنضبطة للقوانين المغربية، مما سيشجع على الأخبار الزائفة، والتنافس غير المهني، من أجل الربح عبر “الأدسنس”، وانتشار الميوعة، والمحتويات غير القانونية، وغير الاخلاقية، مما سينعش المتابعات القضائية والفوضى.
في اعتقادي الشخصي، فإن التوجه الحالي للحكومة، قد يعتبر بمثابة تهديد حقيقي للتعددية الإعلامية في المغرب. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإنه سيسهم في تراجع قدرة الصحافة الصغرى على منافسة الإعلام الكبير، ما يؤدي في النهاية إلى تقليص التنوع الإعلامي، وزيادة هيمنة وسائل الإعلام الكبيرة على المشهد الإعلامي الوطني.
الشروط الجديدة التي تفرض حدا أدنى لكلفة الإنتاج والأجور لا تقل عن 900 ألف درهم، ورقم معاملات لا يقل عن مليوني درهم للمقاولات الصحفية الصغرى، هل فعلا تتناقض مع شعارات الحكومة حول التمكين الاقتصادي، خاصة للنساء، وتشجيعهن على الاستثمار، وخلق المقاولات؟
من الواضح أن هذه الشروط تتناقض مع شعارات الحكومة حول التمكين الاقتصادي للنساء، وتشجيعهن على الاستثمار، وخلق المقاولات. إذا كانت هناك نسبة كبيرة من الصحافيات المقاولات يتعرضن للضغط والمضايقات، في محاولة لتخليهن عن المقاولة الصحفية، وإذا كان عدد كبير منهن يتحملن ديونا، بسبب مغامراتهن في هذا المجال، فإن ذلك يشير إلى وجود خلل في سياسات الحكومة، التي من المفترض أن تدعم تمكين النساء، وتعزيز مشاركتهن الاقتصادية.
تشير العديد من التقارير، إلى أن الصحافيات المغربيات المقاولات، يعانين من ضغوطات كبيرة على عدة أصعدة، سواء كانت ضغوطا مالية أو سياسية، وكذا تحديات كبيرة في الحصول على دعم حكومي مناسب، مما يجعلهن يعشن في حالة من التوتر المالي المستمر، ما يؤدي إلى تراكم الديون. هذا الوضع، يظهر بوضوح، غياب الدعم الكافي لهذه الفئة من النساء اللواتي يساهمن بشكل كبير في التنوع الإعلامي والمجتمعي.

وإذا كانت الحكومة تسعى فعلا لتحقيق تمكين اقتصادي للنساء، فإنها يجب أن تدعم المقاولات الصغيرة، والصحافيات اللواتي يواجهن تحديات اقتصادية ضخمة. هذا، يشمل توفير الدعم المالي والتقني، وإزالة العراقيل التي تمنعهن من التوسع والنمو. لكن، الواقع يظهر أن العديد من الصحافيات المقاولات، يحرمن من هذا الدعم، مما يضعهن في موقف غير عادل، مقارنةً بالمقاولات الأخرى، ما يُظهر التناقض بين سياسات الحكومة وشعاراتها.

إن الصحافيات المقاولات، لسن فقط رائدات أعمال، بل هن أيضا حاملات لرسائل التغيير، والتعدد الاجتماعي والاقتصادي. من خلال مشاريعهن الإعلامية، يساهمن في تقديم محتوى يسلط الضوء على قضايا المرأة والمجتمع، وإقصاؤهن من الدعم، أو فرض شروط معقدة عليهن، يضعف التعددية الإعلامية، ويؤثر سلبا على التنوع الذي تقدمه وسائل الإعلام الصغيرة، التي تعد أساسية في معالجة القضايا الاجتماعية، بما في ذلك حقوق النساء.

في حالة إصرار الحكومة على اعتماد هذا القرار، ما هي الخطوات التي سيقوم بها اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى من أجل التصدي له؟
الجميع يعلم أن الاتحاد، تأسس قبل سنة تقريبا، ولحدود اليوم، أصدرنا أزيد من عشرين بلاغا، وقمنا بلقاءات مهمة مع فاعلين سياسيين ومهنيين، ووضعنا ملفاتنا المطلبية لدى المجلس الوطني للصحافة، واقترحنا العديد من الصيغ للنهوض بقطاع الصحافة الصغرى، مع ضرورة إصدار مرسوم خاص بطريقة الولوج لدعمها. كما يعود الفضل للاتحاد في إبراز ملف تعاضدية خاصة بالصحافيين المغاربة صونا لكرامتهم. كنا على علم أن الحكومة تجهل الملف، وخاصة وضعية المقاولة الصغرى، وكذلك على يقين أن الوزارة ستقوم بعملية إعدام جماعي لهذه المقاولات، لأنها، وبكل بساطة، تجهل أهميتها ودورها.

وفي حالة إصرار الحكومة على اعتماد قرار إقصاء المقاولات الصحفية الصغرى من الدعم، فإن اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى، بناء على مواقفه السابقة، وترافعه المستمر، سيقوم بعدة خطوات نضالية لمواجهة هذا القرار، حماية لحقوق الصحافيات والصحافيين ومقاولاتهم ومصالحهم. هذه الخطوات، ستستند إلى سلسلة من التحركات السابقة، مثل البلاغات الصحفية، والمراسلات الرسمية، واللقاءات مع الفاعلين السياسيين.
ومن بين الخطوات المستقبلية التي قد يدرسها الاتحاد، في حالة الإصرار على القرار، هي اللجوء إلى القضاء الإداري للطعن في القرارات الحكومية التي تتناقض مع القوانين الوطنية والدولية. والاتحاد، قد يسعى، أيضا، إلى التعاون مع النقابات الحقوقية، لإطلاق مبادرات قانونية لدعم المقاولة الصحفية الصغرى.
رسالة أخيرة للحكومة في هذا الموضوع
أتمنى، بكل صدق، من عقلاء القطاع الصحفي، والحكومة، أن يتحلوا بالحكمة، والعقلانية، وأن يضعوا مصلحة الوطن العليا، نصب أعينهم، من خلال العمل على تصحيح الأخطاء الواردة في المرسوم الظالم، والقرار الوزاري المشترك، الذي يمكن أن يعتبر بمثابة إطلاق إبادة جماعية، وقتل رحيم، لجميع المقاولات الصحفية الصغرى.
المصدر : موقع “بلادنا24”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى