
وهيب اليتريبي-كلما أمطرت السماء، كلما هبّت الرياح، كلما عصفت بنا الطبيعة، نتذكر إخوتنا في الحوز. هناك، حيث لا يزال البرد ينهش الأجساد، والجوع يقرص البطون، والأمل يتلاشى يومًا بعد يوم. هناك، تحت الخيام المهترئة، يعيش الناجون من الزلزال معاناة لا تنتهي، في انتظار وعود لم تتحقق، وإعمار لم يبدأ بالصورة المرجوة، ومسؤولين اختفوا كما لو أن الكارثة لم تكن.
في الأيام الأولى، رأينا المغرب بأبهى صوره، حين انطلق الناس من كل المدن والقرى، من طنجة إلى الكويرة، يحملون المساعدات، يمدّون الأيدي، يواسون، ويثبتون للعالم أن المغاربة جسد واحد. كنا نظن أن هذا التضامن الشعبي الجبار سيكون بداية لحل سريع، وأن الدولة ستكمل ما بدأه المواطنون، لكننا كنا ساذجين في تفاؤلنا.
اليوم، لم يعد المشهد كما كان. الاحتجاجات تتكرر، وأصوات المتضررين تعلو، لكن بدلاً من أن يُسمع لهم، صاروا عبئًا مزعجًا للمسؤولين. آلاف العائلات لا تزال مشردة، وأطفال غادروا دواويرهم اضطرارًا ليعيشوا في داخليات مكتظة بمراكش، يعانون من ظروف غير إنسانية، يتكدسون في غرف صغيرة، يحلمون فقط بالعودة إلى منازل لم تُبنَ بعد.
أما المسؤولون، فأين هم؟ أين ذهب أولئك السياسيون الذين تهافتوا على الحوز أيام الزلزال، بكاميراتهم وتصريحاتهم المليئة بالوعود؟ أين اختفت شطحاتهم وخرجاتهم الإعلامية؟ هل كان الزلزال بالنسبة لهم مجرد مسرحية سياسية، انتهى دورهم فيها بمجرد أن أُطفئت الأضواء؟
الملايير جُمعت، والتعليمات الملكية كانت واضحة وحاسمة، لكن التنفيذ غائب، والمماطلة سيد الموقف. كيف يمكن أن نرى هذا الفشل المدوي ولا نشعر بالحسرة؟ كيف يُترك المواطن ليواجه مصيره وحده بعد كل هذا التضامن العظيم؟ إلى متى سيبقى المتضررون ينتظرون في العراء، بينما يواصل المسؤولون تجاهلهم وكأن شيئًا لم يكن؟
إن ما يحدث في الحوز ليس مجرد مأساة عابرة، بل هو وصمة عار، جرح مفتوح في قلب هذا الوطن، اختبار أخلاقي وإنساني وسياسي فشلت فيه الحكومة فشلًا ذريعًا. التضامن الذي أبداه الشعب بعد الزلزال لم يكن مجرد لحظة عاطفية، بل كان صرخة واضحة: نحن معًا في السراء والضراء. لكن ما قيمة هذه الصرخة إن كان من بيدهم القرار لا يسمعون، وإن كانت الكارثة عندهم مجرد خبر عابر في نشرات الأخبار؟
الحوز لا يحتاج خطابات جديدة، لا يحتاج كاميرات أخرى، لا يحتاج دموع التماسيح. الحوز يحتاج بيوتًا، مدارس، كرامة مفقودة. الحوز يحتاج دولة تحترم مواطنيها، ومسؤولين لا يهربون بعد انتهاء العاصفة.