
بعد غربة تحتّمت علي .. قررت العودة إلى وطني والاستقرار فيه بصفة نهائية ، لأني لم أعد أقوى على العيش بعيدا عن عائلتي و أصدقائي و مدينتي مراكش، المدينة التي أتنفس هواها و التي عشت خارجها كالطير في القفص متوفر له كل شيء أكل، شرب، مسكن.. وجميع عوامل الراحة ولكن بدون حياة … لا تتعجب فنحن المراكشيون نختنق عند سفرنا خارج مدينتنا ولا نستريح ونتنفس إلا حين عودتنا إلى أحضانها .
حبا الله مدينة مراكش عاصمة المرابطين و الموحدين بخصائص ربانية .. مدينة يألفها الغريب و يُتيم بها الزائر ، إنها سر من أسرار الخالق في أرضه، جمعت كل الفنون و أسرت كل القلوب، إنها الروح التي سكنت الهواء والتربة و الأبدان ، لا تتعجبوا ولكن إسألوا عنها المعتمد بن عباد و السبعة رجال ..،إسألوا عنها رونيه أولوج وجاك ماجوريل ، إسألوا عنها محمد أيت لعميم وياسين عدنان.. ، إسألوا عنها لرصاد و ألوان، إسألوا عنها حميد الزاهر وعبد الكبير لشهب و نور الدين الرجراجي .. ، إسألوا عنها أبناء الكويكة و المولودية، إسألوا عنها عبد الرحمن الوفا و عدنان بن عبدالله ، إسألوا عنها كل من يحمل في بطاقته التعريفية الوطنية رمز E ، نعم يا سادة يا كرام إنها مراكش الحمراء رمز الكرم و العطاء ، رمز البسمة و البهجة، رمز التضحية والوفاء .
ما كدت أن أصل إلى حومتي القديمة حتى كدت أختنق، ضاق صدري وقلت أنفاسي كأن ما أصعد في السماء ، ماهذا الحزن الذي الذي أشعر به في طرقات مراكش .. قررت أن أترجل قليلا لأنظر ما السبب .. فوجدت مراكش تبكي في كل مكان .. في ساحاتها وحدائقها وحافلاتها ومستشفياتها و … فألتفت إليها و سألتها، ما أبكااك يا مراكش ؟!
هل مراكش تبكي على مآل ساحة جامع الفنا و أسواقها؟.
هل مراكش تبكي على حدائق المنارة وصهريجها الملوث؟.
هل مراكش تبكي على إغلاق ملعب الحارثي وعلى حال فريقها الكوكب المراكشي؟.
هل مراكش تبكي على إبعاد المحطة الطرقية عن قلبها؟ .
هل مراكش تبكي على طرقاتها وشوارعها واقتلاع نخيلها وأشجارها الزنبوعية؟.
هل مراكش تبكي على حافلاتها المهترئة؟ .
هل مراكش تبكي على مستشفياتها ومستوصفاتها التي تتنفس الموت؟ .
تنهدت مراكش و فاضت عيناها من الدمع .. ثم همست إلي بصوت حزين .. أين زواري من كلامك الذين افتقدوا ابتسامتي و بهجتي، افتقدوا ترحيبي و حسن ضيافتي ..؟
قلت لها (لأخفف عنها) ألا تعلمين أننا سننظم كأس إفريقيا و كأس العالم ، وسيكثر زوارك و يزدهر إقتصادك و تصلح طرقاتك و أسواقك وجميع مرافقك وتعود لك بهجتك و ابتسامتك ..
فنظرت إلي وضحكت بهستيرية ..وقالت ومن يضمن لي أن ما تقوله سينجز بحب وصدق و وطنية ولا يكون كصباغة الماء التي تمحوها الشتاء ..
فسألتها : أليس عندك إبنة تُسكت الرجال و تدافع عنك في الرباط
أجابتني : فعلا إنها إبنة صالحة أخذتها مني الرباط و أصبحت لاتزورني إلا في المناسبات و الأعياد .. ولكن أتمنى أن تعوضني بعد استقرارها في الرباط .
سألتها كيف تأخذ الكرسي والقيل والقال كثير .
فسألتني وهي تبتسم ، أتذكر فضيحة سفينة النجاة و المقاطعة الشعبية… أما وقتئذ ستكون المنافسة بين حاضرة المال ( أكادير) و وحضارة العلم (فاس) وأنا .
ثم طأطأت رأسها مجددا وعاد الحزن ليعلو محياها وقالت لي بحسرة .. ألا تسمع أنين ن الحوز الذي لم يعد يقوى على البكاء، فقد جف دمعه و بح حلقه و ابيضت عيناه من الحزن ولايسمع منه إلا الأنين الذي أصبحت الجبال والطير تردد صداه ...
ثم قالت ووجها كله نضارة و تفاؤل لا عليك إني أرض الله ، عمري ألف عام ، قرة عين الأمراء والسلاطين ستزول الغمة وتعود البهجة .. وانصرفت مراكش وهي تدندن … ومراكش يا سيدي كل فارح بيك كل فارح ليك …ومراكش ياسيدي كل يهتف بيك ..