
عبد الكريم علاوي-هل توقفت عقارب الساعة عند لحظتها، واكتفينا بوضع المتفرجين ؟ لم يتوقف الالم بل تفاقم بعد مرور أزيد من سنة على الكارثة، تداولت الايام بيننا ومرت الشهور ودار الحَول مازالت المشاهد المتكررة للمتضررين داخل الخيام المهترئة يواجهون قطرات المطر كلما حلّ فصل الشتاء، يرتعشون في ليالي الصقيع بأعالي الاطلس الكبير وبالسفوح وبجنبات أوديته.
كنت من الاوائل الواصلين للحوز لتوثيق وتغطية الكارثة واطلاع المتتبعين بسير الوقائع لحظة بلحظة ، منذ الساعات الأولى انطلاقا من الملاح بمراكش صوب مرتفعات الحوز بالتدريج انكال امي نتالا اغيل ثلاث نيعقوب الى ان وصل بي المطاف اقليم تارودانت بتاجكالت بجماعة تافنكولت وأوناين .. رغم قساوة المشاهد وفضاعتها منازل دمرت دواوير مُحيت بالكامل كنت دائما أردد “نعم نستطيع” ولن يمحو الزمن كل تلك المشاهد.
استمرار معاناة ساكنة الحوز: بين زلزال الطبيعة وإخفاقات التدخل ..
في الثامن من شتنبر 2023، هزَّ زلزالٌ عنيف إقليم الحوز، مُخلِّفًا دمارًا في البُنى والمنازل، ومُوديًا بحياة العشرات.
لم يكُن أشد المتشائمين أن الكارثة الحقيقية ستبدأ بعد أن توقفت الهزات الأرضية؛ إذ تحوَّلت المأساة من حدث طبيعي عابر إلى أزمة إنسانية مُزمنة، تُلاحق ساكنة المنطقة في كل فصل شتاء، وتُذكِّر بأن إعادة الإعمار لم تكن سوى وعودًا معلَّقة في الهواء او سياسة تنقصها الفعالية والنجاعة.الجحيم البارد
بعد مرور أكثر من سنة على الكارثة ما زال مئات السكان في قرى الحوز النائية يعيشون في خيامٍ مهترئة، تُصارع الرياح العاتية وأمطار الشتاء القاسية. في قمم الأطلس الكبير، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، تُحاول أسرٌ بأكملها تدفئة أطفالها بقطع قماش بالية، بينما تُحاصرهم الثلوج من كل اتجاه، فكيف تُصبح الخيام “حلًا مؤقتًا” لأكثر من 12 شهرًا؟
المشاهد المتكررة للأطفال وكبار السن في العراء تُجسِّد فشل السياسة الحكومية في توفير سقفٍ آمن، ف “الشتاء تقتل ببطء… كأن الزلزال لم يكفِ”.
فرغم الإعلان عن “مخططات طموحة” لإعادة إعمار المنطقة، يبدو الواقع أكثر قتامةً من الخطابات … فالتحديات التي تواجه ساكنة الحوز تكشف عن إشكالات بنيوية تعوق التنمية المنشودة.
فتعقيد الإجراءات الإدارية وتأخر صرف التعويضات حوَّلا عملية إعادة الإعمار إلى كابوس حقيقي ، بعض المتضررين ينتظرون شهورًا للحصول على وثائق تسمح لهم ببناء منازل جديدة، بينما تُجمَّد أموال الدعم في متاهات ، أو احيانا غير كافية لاسباب بنيوية مرتبطة بغياب التشخيص المثالي واستحضار معيقات ترتبط بالوعورة وبعد المسافة عن المركز، ما يفرض اكراهات اضافية كالنقل ووصول سلع البناء بأثمنة اضافية.
الشتاء اختبارٌ لإنسانية الحكومة والحاجة للهبة التضامنية والنفس الطويل ..
في ظل عدم وجود حلول ناجعة لمواجهة البرد القارس الذي يُعرِّض الساكنة للخطر، فالخيام المهترئة لا تُقاوم الأمطار، والمساعدات الشتوية تصل متأخرة أو بكميات غير كافية ما يفرض تظافر جهود الجميع بما في ذلك هيئات المجتمع المدني والمؤثرين ، واعادة الهبة التضامنية التي أعقبت التامن من شتنبر، من خلال تنظيم قوافل تضامنية ، صحية واجتماعية …
من جهة أخرى تُثار تساؤلات حول مصير الملايين من الأموال المُخصصة لإعادة الإعمار. هل نفقت بشكل فعّال وناجع ؟ أم تتبخر في فجوات ؟
نحو حلول مستدامة أم استمرار للإدارة بالأزمات؟
الخطر الأكبر يكمن في تحوُّل معاناة الحوز إلى “وضع طبيعي جديد”، حيث تُدار الأزمة بدل حلها. لإنقاذ الوضع، لا بد من بناء مساكن دائمة ، مع إشراك السكان في التخطيط لضمان ملاءمتها لخصوصيات المنطقة ، تأهيل الطرقات، وتوفير مراكز صحية مجهزة، وضمان وصول الكهرباء والماء الصالح للشرب ، تشكيل لجان محلية للإشراف على توزيع المساعدات ومتابعة مشاريع الإعمار، توفير تعويضات منصفة دون شروط معقدة.
الحوز يستحق أكثر من مجرد تعاطفٍ مؤقت
معاناة ساكنة الحوز ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة تراكم إخفاقات في إدارة الكوارث وتهميش المناطق النائية. الكارثة الحقيقية ليست في الزلزال الذي مضى، بل في استمرار عقارب الساعة متوقفة عند لحظة الألم.
اليوم، يحتاج الإقليم إلى هبة وطنية تُعيد للأهالي كرامتهم، وتُثبت أن الإنسانية ما زالت قادرة على مواجهة إهمال البشر قبل غضب الطبيعة.
لا نريد المغرب بسرعتين.. سرعة المونديال وسلحفاة الحوز:
نشعر بالفخر عندما نتطلع لتنظيم مونديال استثنائي ، مع شركائنا الاسبان والابيريين سنة 2030 ، ونفخر كثيرا بملاعب بُنيت في اوقات قياسية وتحترم آجال معقولة و في الموعد المحدد لها وفي أحسن وأبهى صورة ، نتطلع كذلك أن نستقطب ونستقبل جماهير الامميتين امم افريقيا وأمم العالم ، وكم ستكون فرحتنا اكبر عندما يذهب الزوار منهم الاصدقاء وحتى من الضفة الاخرى ، صوب الحوز في اتجاه اوريكا ومولاي ابراهيم وتغدوين و ثلات نيعقوب امزميز وتاكركوست وغيرها… من المناطق الخلابة ، حيث سيكتشفون فعلا ان المغرب استثناء.