
كلمةالوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة
بمناسبة افتتاح أشغال مؤتمر المجموعة الإفريقية للقضاة
حول موضوع :” من أجل قضاء إفريقي مستقل”
خلال الفترة الممتدة من 21 إلى 24 أبريل 2025 بمدينة الدار البيضاء.
بسم الله الرحمان الرحيم وبه أستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
• السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
• السيدات والسادة أعضاء المجلس الاعلى للسلطة القضائية
• السادة الرؤساء المركزيون بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل؛
• السيد رئيس الودادية الحسنية للقضاة؛
• السيد رئيس الاتحاد الدولي للقضاة؛
• السيد رئيس المجموعة الإفريقية للقضاة؛
• السادة ضيوفنا الأفاضل من مختلف الدول الإفريقية والأوروبية الصديقة؛
• السادة المسؤولون القضائيون؛
• السادة ممثلو الجمعيات المهنية للقضاة؛
• حضرات السيدات والسادة الحضور كل باسمه وصفته وبالاحترام والتقدير الواجب لشخصه؛
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن أتواجد معكم في هذه الجلسة الافتتاحية لمؤتمر المجموعة الإفريقية للقضاة الذي يلتئم فيه هذا الجمع المبارك للقضاء الإفريقي عبر نسيجه الجمعوي باعتباره خيارا استراتيجيا للتواصل الناجع والحوار القضائي المستدام. وإنها للحظة تاريخية ومتميزة أن تحتضن أرض المملكة المغربية بوابة إفريقيا وأرض الانفتاح والتعايش في عاصمتها الاقتصادية مدينة الدار البيضاء الغراء والمناضلة هذا المؤتمر الدولي الهام والذي تتشرف بتنظيمه الودادية الحسنية للقضاة بتنسيق مع الاتحاد الدولي للقضاة تحت الرئاسة السامية لمولانا المنصور بالله صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
وبهذه المناسبة يسعدني كثيرا أن أرحب بضيوفنا الكرام متمنيا لهم مقاما طيبا في المملكة المغربية بلدهم الثاني. كما أود أن أتقدم بخالص عبارات الشكر للسيد رئيس الودادية الحسنية للقضاة على دعوته الكريمة لحضور الجلسة الافتتاحية لأشغال هذا اللقاء الإفريقي المتميز الذي التأم لجمعه نخبة من الشخصيات القضائية الوطنية والإفريقية المرموقة والذي يشكل من جهة لبنة متينة لتعزيز الأواصر المهنية والأخوية بين القضاة الأفارقة ومن جهة أخرى فضاء للنقاش وتبادل الآراء والتجارب حول المستجدات القانونية والقضائية المتسارعة التي تشهدها اليوم منظومة العدالة، في أفق رفع التحديات المطروحة من أجل تطوير منظومة العدالة ببلداننا الإفريقية.
هذا اللقاء الذي يتسم بدلالات عدة أهمها التقاء إخوة يجمعهم هم واحد وهو البحث عن كل مخرج يسمو بالعدالة في قارتنا الغراء إلى أسمى المراتب ويحدوهم هدف واحد هو تحقيق أكثر ما يمكن من تفاعل إيجابي وفضيل مع مرتفقي العدالة بهدف تجسيد عدالة ضامنة للحقوق والحريات بأسمى معانيها وأقصى تجلياتها ، وسعيا لتجسيد ذلك للبحث عن كل الإمكانات الميسرة لولوج العدالة وتعزيز الثقة في القضاء، انطلاقا من التحلي بالمبادئ والقيم الاخلاقية القانونية في إطار مبدأ المساواة أمام القانون.
كما أغتنم هذه المناسبة أيضا لأنوه بمجهودات كل القائمين على تنظيم هذا الحدث الدولي الهام، بحسن اختيارهم لشعار هذا المؤتمر الذي هو :”من أجل قضاء إفريقي مستقل” بالنظر لما له من راهنية متجددة وما يتيحه من فرص متعددة لتطوير العدالة وتيسير ولوج المتقاضين إليها انطلاقا مما يملكه المشاركون من تجارب واسعة ومتنوعة ستثمر بلا شك توصيات واقتراحات من شأنها تطوير أساليب العمل القضائي واقتراح أفكار وتصورات كفيلة بأن تساهم في الرفع من مستوى أداء العدالة ببلادنا وبلدان أفريقيا.
حضرات السيدات والسادة
في ظل مناخ دولي يعرف تحولات اقتصادية واجتماعية وما واكبه من تطور مهول على مستوى أنواع الجريمة لا سيما العابرة للحدود كالجريمة الإرهابية والسيبرانية والبيئية ينعقد هذا اللقاء القضائي الإفريقي المتميز، والذي يأتي أيضا في سياق الدينامية المُشرقة التي تعرفها بلادنا في مختلف المجالات تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والتي تعكسها الخطوات الهامة والمكاسب الكبرى التي تم تحقيقها في مجال إصلاح منظومة العدالة لاسيما في مسار دعم استقلال السلطة القضائية منذ إقرار دستور المملكة لسنة 2011، والذي يعد أحد المرتكزات الأساسية لتعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون، والرافعة الأساسية للتنمية، وفقا للرؤية الملكية المتبصرة والسديدة التي عبر عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتمكين في مناسبات عديدة منها ما جاء في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الأولى للمؤتمر الدولي للعدالة المنعقد بمراكش خلال الفترة من 2 إلى 4 أبريل 2018 حيث قال جلالته: “… كما أن تعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون، والرافعة الأساسية للتنمية، يشكل تحديا آخر يجب رفعه بتطوير العدالة وتحسين أدائها، لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية، التي تشهدها مختلف المجتمعات…” انتهى النطق الملكي السامي
وبذلك فإن صيانة الحقوق والحريات وضمان شروط المحاكمة العادلة تعد واجبا دستوريا يتحمله قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة على حد سواء من خلال السهر على صيانة حقوق المتقاضين والحرص على التطبيق السليم والعادل للقانون في احترام تام لمبادئ التجرد والاستقلال وبصرف النظر عن انتماءاتهم الفئوية أو الجمعوية بما ينسجم مع المعايير المشتركة الواردة في المرجعيات الكونية التي قررتها مبادئ الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وكذا مبادئ بنغالور للسلوك القضائي.
حضرات السيدات والسادة
إن انعقاد مؤتمركم اليوم على مستوى المجموعة الإفريقية التابعة للاتحاد الدولي للقضاة يعتبر تجسيدا فعليا للنهج القائم على تقوية وتضافر جهود النظم القضائية بقارتنا الإفريقية لدعم استقلال القضاء من خلال بناء جسور التعاون وانخراط كافة القضاة الذين تجمعهم المبادئ السامية للعدالة التي أقسموا على صونها والدفاع عنها والإلتزام بمبادئها النبيلة بصرف النظر عن انتماءاتهم الجمعوية، قاسمهم الجوهري في كل ذلك التحلي بالضمير المسؤول والتمسك بالقيم الأخلاقية في إطار تحقيق قواعد العدل والإنصاف، والتي تعد بدون شك مدخلا أساسيا للإحساس بالانتماء للوطن وبالأمن والطمأنينة والحماية التي تضمنها الدولة للمجتمع، فضلا عن كون تكريسها يعتبر رافعة لخلق مناخ سليم للاستثمار ورافعة لتجويد أداء العدالة ونجاعتها ضمانا للحقوق والحريات للأفراد والجماعات والمؤسسات سواء كانوا أبناء الوطن أو مقيمين فيه.
من هذا المنطلق تعد الجمعيات المهنية للقضاة شريكا إلى جانب المؤسسات القضائية الرسمية بالنظر لما تملكه من دور توعوي وتحسيسي وتوجيهي ومن قوة اقتراحية كفيلة بالإسهام الإيجابي في تعزيز القيم القضائية وتأطير القضاة وتقوية قدراتهم المهنية وتأطير ممارستهم لحقهم في التعبير في إطار الحفاظ على واجب التحفظ والوقار والتجرد والاستقلالية.
حضرات السيدات والسادة
استحضارا من رئاسة النيابة العامة بأهمية ربط أواصر التعاون والأخوة مع نظرائها بالدول الإفريقية، فقد جعلت من الديبلوماسية الموازية أحد المحاور الأساسية التي تنبني عليها استراتيجيتها في إطار التواصل مع محيطها الخارجي ولاسيما مع الأشقاء الأفارقة بالنظر لما تتوفر عليه هذه القارة من إمكانيات واعدة كفيلة بتحقيق التنمية للشعوب الإفريقية وهو ما عبر عنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه بمناسبة القمة الثامنة والعشرين لقادة دول ورؤساء حكومات بلدان الاتحاد الإفريقي بتاريخ 31 يناير 2017 حيث قال جلالته “لقد اختار المغرب سبيل التضامن والسلم والوحدة وإننا نؤكد التزامنا من أجل تحقيق التنمية والرخاء للمواطن الإفريقي , فنحن ,شعوب إفريقيا نتوفر على الوسائل وعلى العبقرية ونملك القدرة على العمل الجماعي من أجل تحقيق تطلعات شعوبنا “انتهى النطق الملكي السامي.
وتفعيلا لهذه التوجيهات الملكية السامية، حرصت رئاسة النيابة العامة على اعتماد ديبلوماسية قضائية موازية مستدامة تعتمد على نسج علاقات تعاون مع أجهزة النيابة العامة والإدعاء العام بمجموعة من الدول الإفريقية تمثلت في إبرام مذكرات تفاهم مع العديد منها، وهي مناسبة مكنت هذه الرئاسة من التعريف بالتطورات التي تعرفها بلادنا على المستوى القانوني والقضائي.
كما استضافت بلادنا خلال شهر يوليوز 2024 أشغال المؤتمر السابع عشر لجمعية النواب العموم الأفارقة والذي انعقدت على هامشه ندوة دولية حول موضوع: “الجريمة البيئية ودور القضاء في مكافحتها”، حضرها ممثلو أجهزة النيابة العامة والإدعاء العام لأربعة وثلاثين دولة إفريقية وتميزت بانتخاب رئاسة النيابة العامة بالمملكة المغربية لمنصب الأمانة العامة للجمعية وكذا اعتماد المغرب مقرا دائما للأمانة العامة لهذه الجمعية.
في ختام هذه الكلمة، لا يسعني إلا أن أجدد شكري وامتناني للقائمين على هذا اللقاء الهام على كل الجهود الجبارة التي بذلوها لتنظيم هذا اللقاء المتميز الهادف إلى تعزيز تقوية التواصل بين الجسم القضائي الإفريقي والدولي والانفتاح على الجمعيات المهنية حول العالم، متمنيا لفعاليات هذا المؤتمر الإشعاع والنجاح والاهتداء إلى إخراج مقترحات وتوصيات من شأنها أن تفتح آفاقا واعدة للمزيد من التطور للتعاون القضائي بين بلداننا الإفريقية وتمكن من تحصين المكتسبات ورفع التحديات المشتركة التي تطرحها الدينامية المتسارعة التي تعرفها منظومة العدالة على المستويين القاري والدولي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.