24 ساعةسلايدرسياسةمجتمع

الحرب المعلوماتية وحروب زعزعة الاستقرار: حين تتحول المنصات الرقمية إلى أدوات صراع ممنهج ضد المغرب

بقلم الدكتور انس ابو الكلام- لم تعد التهديدات التي تواجه استقرار الدول في العصر الرقمي محصورة في الحدود التقليدية أو في النزاعات العسكرية الكلاسيكية، بل أصبحت تمتد إلى ساحات جديدة وخطيرة، من أبرزها الفضاء السيبراني ومنصات التواصل الرقمي. وفي هذا السياق، تبرز بعض الكيانات الإلكترونية على تطبيق تليغرام و غيره، كنماذج واضحة لحرب معلوماتية ناعمة، تكاد تكون صامتة، لكن اكيد انها ممنهجة تُشن ضد المغرب، بأساليب مدروسة وأجندات خفية.
فمن يتابع منشورات مثل هذه المجموعات خلال الأسابيع الأخيرة، التي قد تكون حقيقية او لا، و قد نتفق مع فحواها او لا، يدرك بسرعة أننا لا نتعامل مع قنواة عشوائية أو مجرد منصة لتسريبات هاوية، بل مع كيانات منظمة تتحرك بخطة دقيقة، ويتبع أسلوباً محسوباً يستند إلى علم التأثير النفسي وإدارة الرأي العام. فاختيار الشخصيات و التوقيت ووثيرة النشر، ونوعية المواضيع المستهدفة، ولهجة الخطاب، كلها مؤشرات على أننا أمام عمليات ممنهجة تهدف إلى أكثر من مجرد “فضح” أو “نقد”.
اذ نلاحظ ان البداية كانت بتسريبات تمس ممتلكات شخصية لمسؤوليين بارزين، لكنها سرعان ما تحولت إلى هجوم متعدد الجبهات، يُراد من خلاله خلق حالة من الشك والتشكيك داخل المجتمع، وضرب الثقة في مؤسسات الدولة، وتشويه صورة شخصيات بعينها، ليس لأسباب قانونية او لتحسين وضع المغاربة، بل كجزء من خطة أوسع تهدف إلى التصفية السياسية والإعلامية و زرع الشك لذى المولطن، دون المرور عبر قنوات المساءلة الشرعية المعترف بها في الدولة.
الخطير في هذا النوع من الحروب، أنه لا يُدار من طرف خصم واضح و معروف، ولا يُخاض على أرض معروفة او كلاسيكية. بل تُشن من خلف الشاشات، وبأسماء مستعارة، و هويات مزورة او مسروقة، وأدوات ووسائل رقمية ملتوية، قد تكون مدعومة من أطراف خارجية (وربما خارجية، و ربما الاثنين معا) تسعى في طياتها بنفس طويل إلى زعزعة استقرار المغرب، مستغلة الفضاء المفتوح الذي توفره التكنولوجيا الحديثة.
إن ما يحدث اليوم من محاولات لتوجيه الرأي العام عبر حملات منظمة تستهدف في الحقيقة بشكل غير مباشر المؤسسات وطنية من جهة، و ثقة المواطن من جهة اخرى، يفرض علينا التفكير بجدية في بناء منظومة وطنية متكاملة للأمن الرقمي والمعلوماتي، تكون قادرة على الرصد، والتحليل، والرد الذكي و السريع، و التواصل الصريح، وإدارة الأزمات بفعالية، وتحقيق التوازن بين حرية التعبير وحماية المؤسسات من الابتزاز الرقمي والتضليل الإعلامي، و توطيد ثقة للمواطن في مؤسسات الدولة مهما كانت الهزات و الازمات.
فالمغرب، الذي استطاع أن يُراكم نجاحات سياسية واقتصادية و دبلوماسية وأمنية في محيط إقليمي مضطرب، أصبح في مرمى نيران غير تقليدية، تتطلب يقظة جماعية مواطناتية، وتحصيناً سيبرانياً، وتعاوناً وثيقاً و بناء ثقة مستدامة بين الدولة والمجتمع، من أجل مواجهة حروب من نوع جديد، لا تُطلق فيها الرصاصات، بل تُغتال فيها الحقائق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى