24 ساعةسلايدرسياسةمجتمع

“المذكرة التوجيهية لمالية 2026: خطة طموحة لتسريع الإقلاع الاقتصادي وبناء مغرب المستقبل”

"مغرب السرعة الموحدة"

عبد الكريم علاوي –تشكل المذكرة التوجيهية لقانون المالية لسنة 2026 نقطة محورية في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة المغربية، خاصة في ظل الانشغالات التي عبّر عنها خطاب العرش الأخير بشأن التفاوتات الاجتماعية ومظاهر “مغرب السرعتين”.

إذ تأتي هذه المذكرة كخارطة طريق واضحة تستهدف مواجهة هذه التحديات من خلال ثلاثة محاور استراتيجية متكاملة: تعزيز إقلاع المملكة اقتصادياً بما يحقق تنمية شاملة ومتوازنة، توطيد أسس الدولة الاجتماعية التي تضمن العدالة وتقلص الفوارق المجالية، وضمان توازن المالية العمومية لحفظ الاستقرار المالي. وتولي المذكرة اهتماماً خاصاً للقطاعات الحيوية مثل الزراعة والسياحة، بالإضافة إلى محاور استراتيجية جديدة تتمثل في التنوع والسيادة الطاقية، والاقتصاد الرقمي، مع استمرار استكمال المشاريع الهيكلية التي انطلقت في القوانين المالية السابقة، كلها في خدمة هدف واحد يتمثل في بناء مغرب متقدم يواكب تطلعات جميع فئات المجتمع دون استثناء.

تعزيز إقلاع المملكة: الاستثمار والتنمية المستدامة والتنوع الطاقي

يركز قانون المالية الجديد على إعادة هيكلة المراكز الجهوية للاستثمار، وهي خطوة أساسية نحو تحسين جودة الخدمات المقدمة للمستثمرين، تبسيط المساطر، وتفعيل الرقمنة لتعزيز سرعة الإنجاز وشفافية الإجراءات. يتيح ذلك خلق بيئة استثمارية جاذبة، تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي المتوازن على المستويين الوطني والجهوي.

يبرز في هذا السياق الاهتمام بمحور التنوع والسيادة الطاقية، حيث تؤكد المذكرة على أهمية تطوير مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على مصادر تقليدية، من أجل تحقيق استقلالية طاقية تضمن أمن الإمدادات ومرونة الاقتصاد المغربي في مواجهة التحديات العالمية. ويشكل هذا التوجه رافدًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة، ويدعم القطاعات الاقتصادية الحيوية عبر طاقة نظيفة وموثوقة.

كما يحظى توجيه الاستثمار نحو برامج ذات أثر عالٍ باهتمام خاص، مع تركيز واضح على القطاعات ذات القيمة المضافة الكبيرة، لا سيما التشغيل والتنمية الصناعية والتقنية، وتفعيل الاقتصاد الرقمي كرافعة حيوية لتعزيز الابتكار والتنافسية. وتكمن أهمية الاقتصاد الرقمي في تحفيز أنشطة جديدة، دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل الوصول إلى الأسواق المحلية والدولية عبر المنصات الرقمية.

توطيد أسس الدولة الاجتماعية: العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة

يُولي قانون المالية 2026 أهمية قصوى لإصلاح الصندوق الوطني للتقاعد، من خلال إيجاد صيغة توافقية تراعي حقوق المتقاعدين وتضمن استدامة النظام المالي، ما يعزز التماسك الاجتماعي ويؤمن استقرار الفئات المستفيدة.

كما يشكل تقليص الفوارق المجالية أحد أهداف المذكرة، عبر دعم المناطق الأقل تنمية بمشاريع بنيوية وخدمات اجتماعية تعزز من جودة الحياة، وتفتح آفاقاً جديدة للاستثمار المحلي، وهو ما يرسخ العدالة الترابية ويُسهم في تحقيق تنمية متوازنة.

ويبرز أيضاً قطاع الصحة كركيزة أساسية في تعزيز الدولة الاجتماعية، عبر استكمال المشاريع الكبرى وتشييد المجموعات الصحية الترابية، ما يضمن توفير خدمات صحية متكاملة وعالية الجودة على مقربة من المواطنين، مع دعم منظومة الضمان الاجتماعي.

تسريع التحول الاقتصادي: الفلاحة، السياحة، والبرامج الهيكلية

في إطار تسريع التحول الاقتصادي، تركز المذكرة على دعم قطاعات الفلاحة والسياحة، باعتبارهما من أبرز المحركات الاقتصادية ذات الأثر المباشر على التشغيل والتنمية الجهوية.

تُبرز المذكرة نجاح برنامج Hospitality Cap الذي استُثمر فيه حوالي 4 مليارات درهم، مستفيدًا منه نحو 90 مؤسسة فندقية لتحديث بنيتها التحتية حتى منتصف 2025. كما يدعم برنامج Gosiyaha أكثر من 1,700 مشروع لتعزيز تنافسية المقاولات السياحية، ما يدعم التنوع والابتكار في هذا القطاع الحيوي.

وتهدف المذكرة إلى تعميق هذه الجهود عبر توسيع التنويع النشيط للأسواق المصدرة، وتنظيم حملات ترويجية مكثفة لتعزيز مكانة المغرب كوجهة سياحية عالمية، بالإضافة إلى تطوير شراكات النقل الجوي لتسهيل وصول السياح وزيادة الرحلات.

يرتكز قانون المالية المقبل على استكمال المشاريع الهيكلية التي تم إطلاقها في القوانين المالية السابقة، مع تركيز خاص على برامج التنمية الجهوية التي تسعى لتقليص الفوارق بين الجهات وتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.

كما تمثل سياسة السكن أولوية لتعزيز العدالة الاجتماعية، من خلال توفير مساكن ملائمة وبأسعار تنافسية، ما ينعكس إيجابياً على جودة الحياة ويسهم في تحسين الاستقرار الاجتماعي.

ضمان توازن المالية العمومية: استدامة وفعالية

يُشكل الحفاظ على التوازنات المالية ركيزة مركزية في المذكرة، حيث يُشدد على ضبط المديونية وتوجيه الموارد المالية بكفاءة نحو البرامج ذات الأثر العالي، بهدف ضمان استدامة المالية العمومية وتقليل المخاطر الاقتصادية المحتملة.

كما يؤكد القانون على ترشيد الإنفاق وتحسين مردوديته، من خلال تركيز الدعم على القطاعات الإنتاجية والأولويات التنموية، ما يحقق عوائد اقتصادية واجتماعية ملموسة، ويعزز النمو المقاوم للصدمات.

وتقدم المذكرة التوجيهية لقانون المالية لسنة 2026 رؤية متكاملة تعكس طموح المغرب في تسريع التحول الاقتصادي وتوطيد الدولة الاجتماعية، مع ضمان استدامة المالية العمومية. من خلال دعم الاستثمار، تحسين الخدمات الاجتماعية، وتعزيز قطاعات حيوية كالزراعة والسياحة، بالإضافة إلى تعزيز التنوع والسيادة الطاقية والاقتصاد الرقمي، تؤسس هذه الخطة لمرحلة جديدة من النمو المتوازن والاقتصاد المقاوم، مما يضع المملكة في موقع تنافسي رفيع إقليمياً ودولياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى