
أسدلت المحكمة الابتدائية الزجرية ببرشيد الستار، ابتدائيًا، على واحدة من أكثر القضايا الإنسانية التي هزت الرأي العام المغربي، والمتعلقة بالطفلة غيثة، ضحية حادث دهس مأساوي وقع بشاطئ سيدي رحال في 15 يونيو 2025. وقد خلف الحادث موجة تعاطف كبيرة بعد أن كشفت تفاصيله عن تهور واستهتار أفضى إلى إصابة طفلة بريئة بجروح بليغة وعاهة مستديمة.
خلال جلسة النطق بالحكم، قررت المحكمة عدم مؤاخذة المتهم من أجل جنحة تغيير معالم الحادثة، لكنها أدانته في باقي التهم، وقضت في حقه بعقوبة حبسية نافذة مدتها عشرة أشهر، وغرامة مالية رمزية قدرها 500 درهم، بعد ثبوت قيادته داخل الكثبان الرملية بطريقة غير قانونية ومخالفة لقواعد السلامة بالشاطئ. ويُنظر إلى هذا السلوك على أنه تهديد مباشر لحياة المصطافين، خصوصًا الأطفال الذين يرتادون هذه الفضاءات للترفيه.
وفي الشق المدني، ألزمت المحكمة المتهم بأداء تعويض مالي قدره 400 ألف درهم لفائدة الضحية، مع استبعاد شركة التأمين من الملف، وهو ما يعكس تحميل المسؤولية الشخصية للمتسبب في الحادث. كما منحت المحكمة مهلة عشرة أيام للطعن بالاستئناف، ما يفتح الباب أمام استمرار النزاع القضائي في طوره الثاني.
وشكل تقرير الخبرة الطبية القضائية، الذي أنجزه الدكتور نور الدين هلال، نقطة تحول حاسمة في مسار القضية، حيث كشف عن حجم الأضرار الجسدية والنفسية التي لحقت بالطفلة. فقد أُصيبت بكسر في الجهة اليمنى من الجمجمة، وورم دموي وضغط على الفص الجبهي للمخ، إضافة إلى جرح عميق في فروة الرأس، تمزقات وخدوش في الوجه واليد، وتمزق في الجفن تطلب خياطة دقيقة. التقرير أشار كذلك إلى أن الضحية فقدت الوعي لحظة الحادث وتم نقلها في حالة حرجة إلى المصحة لتلقي الإسعافات المستعجلة.
وأظهرت الخبرة وجود عجز كلي مؤقت لمدة 120 يومًا، إضافة إلى عجز جزئي دائم بنسبة 80%، مما يعني أن الطفلة ستحتاج إلى رعاية خاصة ومستمرة في حياتها اليومية. كما أورد التقرير معاناتها من اضطرابات نفسية وسلوكية مثل نوبات بكاء غير مبررة، تبول لا إرادي، وصعوبات في النوم، ما يتطلب خضوعها لحصص ترويض عضلي وذهني ومتابعة طبية ونفسية طويلة الأمد.
محامي الأسرة، الأستاذ الصوفي، كان قد دعا إلى ضرورة تعويض الطفلة عن الأضرار النفسية والمعنوية، مستندًا إلى المقتضيات القانونية، واعتبر الحكم المدني خطوة إيجابية، لكنه أكد أن العدالة الكاملة تقتضي محاسبة المتسببين في مثل هذه الحوادث، واتخاذ إجراءات صارمة لضمان عدم تكرارها، خاصة في الفضاءات العمومية المفتوحة التي من المفترض أن تكون آمنة للأطفال.
القضية أعادت إلى الواجهة النقاش حول ضعف الرقابة في المناطق الشاطئية وغياب لوائح تنظيمية صارمة لمنع دخول المركبات إلى أماكن مخصصة للراحة والترفيه. كما فتحت باب التساؤلات حول مسؤولية الجماعات المحلية في فرض الأمن والسلامة داخل هذه الفضاءات، وحماية أرواح المواطنين، خاصة الفئات الهشة كالأطفال.
وفيما تواصل الطفلة غيثة رحلة علاج مؤلمة وسط دعم أسرتها وتعاطف مجتمعي واسع، تبقى القضية شاهدة على ثمن الاستهتار، وعلى الحاجة الملحة لإعادة النظر في سياسات السلامة العمومية، وتفعيل المحاسبة الحقيقية في وجه كل من يعرض حياة الآخرين للخطر.