24 ساعةسلايدرسياسةمجتمع

تزيين الحلوى بالعلم الوطني المغربي ثم تقطيعها ، أية دلالة ؟!

يعد العلم الوطني المغربي أحد أبرز الرموز السيادية التي تجسد عمق الانتماء الوطني، وتختزله الذاكرة الجماعية كمرآة لهوية مشتركة وتاريخ نضالي موحد، يعبر عن السيادة والوحدة الترابية للدولة، إن هذا الرمز بما يحمله من حمولة دلالية وقيم رمزية، يتجاوز في تمثلاته البعد المادي كقطعة قماش، ليغدو حقلا معقدا من المعاني تترسخ في قلب العلاقة الوجدانية بين المواطن والدولة، ويكتسب كل تمثل للعلم وكل تعامل معه بعدا يتجاوز الإطار الشكلي ليصبح فعلا محملا بقراءات متعددة، تتراوح بين التعبير عن الاعتزاز والهوية من جهة، أو الانزلاق إلى العبثية و الاستهانة بالرموز الوطنية من جهة اخرى، ويأتي موضوع تزيين الحلوى بالعلم الوطني ثم تقطيعها وأكلها ضمن هذه الجدلية الشائكة بين التعبير العفوي وصون مكانة الرموز السيادية .

لقد أصبحت بعض المظاهر الاحتفالية في السنوات الأخيرة، خاصة في المناسبات الوطنية أو المؤسساتية، تتسم بتوظيف مكثف لرموز الدولة وعلى رأسها العلم الوطني، حيث إنتقلنا من تزيين الملابس والسيارات والمباني إلى رسم العلم الوطني على الحلويات والمواد الاستهلاكية، وإذا كانت هذه الممارسات تهدف في ظاهرها الى التعبير عن الفرح الجماعي والانخراط في لحظة وطنية فإنها تطرح في العمق إشكالات ثقافية وقانونية عميقة تتعلق بحدود توظيف الرموز الوطنية وطبيعة الدلالات التي تنتج عن ذلك.

ففي حالة تزيين الحلوى بالعلم الوطني ثم تقطيعها وأكلها تطرح عدة تساؤلات مشروعة: هل هذا الفعل يعد تجسيدا رمزيا للمشاركة الجماعية في لحظة وطنية، أم أنه يحمل طابعا تفكيكيا استهلاكيا يمس بهيبة الرمز الوطني؟ هل ينظر إليه كفعل عفوي من عامة الناس إحتفاء بمناسبة وطنية أم أنه ينطوي على مساس ضمني بالرمزية التاريخية والسيادية للعلم الوطني؟ .

تمنع العديد من دول العالم استخدام أعلامها الوطنية في أغراض تجارية أو استهلاكية قد تعتبر مسيئة أو غير لائقة، ومن بين هذه الممارسات الممنوعة استخدام العلم في صناعة الحلويات أو تزيين الأطعمة، إذ ينظر إلى ذلك كنوع من الاستخفاف بالرمزية الوطنية، حيث ينص القانون في جميع دول العالم على تجريم الإهانة أو التحقير المتعمد للعلم الوطني باعتباره فعلا يمس بكرامة الدولة، ففي الإمارات العربية المتحدة وبمناسبة اليوم الوطني الثاني والأربعين تم تحديد جملة من الضوابط المتعلقة باستخدام العلم، من بينها حظر صنع قوالب الحلوى أو الأطعمة على شكل العلم الوطني مع التنبيه إلى وجود عقوبات قانونية في حال مخالفة هذه التعليمات، وذلك حفاظا على هيبة الرمز الوطني ومكانته في قلوب المواطنين، وكذلك الشأن بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي منعت بدورها استخدام علمها الوطني في المواد الاستهلاكية .

لكن الإشكال لا يكمن دوما في الفعل ذاته وإنما في النية والوعي المحيط به، ففي حالة تزيين الحلوى قد يكون القصد هو الاحتفال لكن النتيجة الرمزية المتحققة هي تحويل الرمز السيادي إلى مادة استهلاكية قابلة للتقطيع والإستهلاك وهو ما يفرغه من قدسيته ويحوله الى مجرد ديكور قابل للزوال.

كما أن هذا السلوك يعكس نوعا من التفصيل بين الثقافة الوطنية والوعي الرمزي، إذ لا يمكن التعامل مع رموز الدولة بنفس منطق الشعارات التجارية، فالعلم الوطني ليس علامة تجارية نستهلكها كيفما نشاء، بل هو تعبير عن السيادة يجب التعامل معه ضمن إطار من الاحترام والوقار، وإن كان ذلك لا يتناقض مع الانخراط في لحظات فرح وإحتفاء شرط ألا يفرغ الرمز من محتواه.
إن السلوكيات التي تتعامل مع العلم الوطني خارج سياقه الرمزي، تفتح النقاش حول الحاجة الى ترسيخ ثقافة وطنية تعيد الاعتبار لرموز السيادة دون الوقوع في التعصب، فبين التعبير العفوي ومكانة الرموز ثمة منطقة وسطى هي التربية الوطنية التي تتيح التعبير عن الفرح والانتماء ولكن في حدود ما لا يحول العلم الوطني الى مادة فارغة من المحتوى الرمزي، ومن هذا المنطلق فإن تزيين الحلوى بالعلم الوطني ثم تقطيعها ليس مجرد سلوك بسيط وإنما هو لحظة تمس عمق مشاعر المواطنين، مما يستدعي تأطير هذه الممارسات ضمن مقاربة ثقافية وقانونية تضمن احترام العلم الوطني المغربي دون أن تقصي عفوية الإحتفاء.
إن ما قلناه هنا ينطبق كذلك على الخريطة المغربية والتاج الملكي، باعتبارهما من أسمى الرموز السيادية التي تجسد وحدة الوطن والشرعية التاريخية، وهو ما يفرض توظيفهما في سياقات تحفظ قدسيتهما وتصون دلالاتهما العميقة، بعيدا عن أي استعمال استهلاكي يفقدهما قيمتهما الرمزية.

وختاما، لنا في القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والإدارة الترابية، والأمن الوطني، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية قدوة يحتذى بها في احترام الرموز السيادية وصون مكانتها في وجدان الأمة المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى