
تمكن فريق بحث دولي مكون من أساتذة جامعيين وباحثين مغاربة وأجانب من فك الشيفرة الجينية الكاملة لشجرة الأركان (Sideroxylon spinosum) من التيلومير إلى التيلومير، أي من الألف إلى الياء، باستخدام أحدث تقنيات تسلسل الحمض النووي.
وتُعد شجرة الأركان، التي تنمو بشكل طبيعي في جنوب غرب المغرب، ثروة وطنية ذات بُعد اقتصادي وبيئي، حيث يُستخدم زيتها في التغذية والتجميل، كما يشكل مصدر دخل أساسي لآلاف الأسر المغربية، خاصة النساء العاملات في التعاونيات. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الأركان دورًا بيئيًا محوريًا في مقاومة التصحر والحفاظ على التوازن الإيكولوجي في المناطق التي تنمو فيها.
وأوضح خبراء مشرفون على الدراسة أن الباحثين باتوا يتوفرون، بفضل هذه الأبحاث، على جينوم مرجعي لشجرة الأركان، ما سيمكنهم من المضي قدمًا في هذا المجال العلمي.
وأشار الخبراء إلى أن الجينوم الكامل لشجرة الأركان يحتوي على نمطين فرديين أبويين اثنائي الصيغة الصبغية، بحجم 636 و655 مليون زوج أساسي، على التوالي.
كما تمكن الفريق من تحديد عدد الكروموسومات التي تحتوي عليها شجرة الأركان، بعدما كانت التقديرات السابقة تتراوح بين 10 و12، حيث تبيّن أنها تتوفر على 11 كروموسوما، ويقوم حوالي 28,720 جينا بتشفير البروتينات. وأظهرت النتائج أن حوالي 60 في المائة من الجينوم يتكون من تسلسلات متكررة.
وكشفت مقارنة جينية مع شجرة الشيا (التي تحتوي على 12 إلى 13 كروموسوما) والشجرة المعجزة، عن درجة عالية من الترتيب الجيني المتشابه (synteny) وحفظ ترتيب الجينات (colinéarité)، رغم وجود عدة إعادة ترتيبات كروموسومية.
ويبدو أن الكروموسومات الكبيرة في شجرة الأركان نتجت عن توسعات متكررة واندماجات كروموسومية، إذ يقابل الكروموسوم 1 في الأركان الكروموسومين 6 و11 في الشيا، بينما يقابل الكروموسوم 2 الكروموسومين 3 و10 في الشيا.
ويُعد الكروموسومان 1 و2 كبيرين بشكل خاص في الأركان، ويضم الكروموسوم 2 على وجه الخصوص الجينات المسؤولة عن ترميز عملية تخليق الزيت. ويشكل هذا التجميع عالي الجودة، حسب ما أفاد به الخبراء، موردًا قيمًا لدراسة بيولوجيا الأركان وتنوعه الوراثي وسماته المتعلقة بالتكيف والتخليق الحيوي للزيت.
وأكد الخبراء أن العلماء يتوفرون الآن، بفضل هذه الدراسة التي دامت حوالي ثلاث سنوات، على “جينوم مرجعي”، سيشكل الأساس لتعميق المعرفة حول تطور شجرة الأركان. كما أشاروا إلى أن الباحثين لم يكونوا قادرين من قبل على إجراء تطعيم (Le greffage) لشجرة الأركان، وهي تقنية زراعية تستخدم لإكثار الأشجار وضمان صفات مرغوبة، خصوصًا لتحسين إنتاج الزيت وجودته، وذلك بسبب عدم معرفة مدى تطابق الكروموسومات. ما يجعل من هذا الإنجاز العلمي تقدمًا كبيرًا سيمكن من تطوير زراعة الأركان وتحسين جينوماته في المغرب.
وتم اختيار شجرة فريدة بمنطقة الصويرة للقيام بهذه الدراسة، وأوضح الباحثون أن الباحث أن تحديد الجينوم المرجع يحتاج لدراسة معمقة على شجرة واحدة من الأركان، بحيث تعد شجرة صعبة بالنظر لطبيعتها البيولوجية التي تحتوي على عدة تركيبات، ما تطلب أكثر من سنتين من العمل للحصول على حمض نووي عالي الجودة.
أما المرحلة المقبلة، فتكمن في القيام بفحص كافة التنوعات الجينية المتعلقة بشجرة الأركان في المغرب من نواحي أكادير والصويرة إلى نواحي بركان.
هذه العملية، التي ستشرف عليها جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بيتكرير ستمكن من معرفة كافة التنوعات الجينية لشجرة الأركان في المغرب وستساعد في الحفاظ على هذه الشجرة.
ومن شأن هذا الإنجاز العلمي المساهمة في تحسين الإنتاجية وجودة الزيت عبر برامج تربية نباتية تعتمد على المؤشرات الجينية. وتعزيز مقاومة الأركان للجفاف والظروف المناخية القاسية، فضلا عن حماية التنوع الوراثي بين تجمعات الأركان والحفاظ على استدامة هذا المورد الطبيعي.