24 ساعةسلايدرمجتمع

ياسين المنصوري و عبداللطيف حموشي رجلان يحظيان بثقة الملك وحب الشعب

محمد بالحوضي- منذ مطلع الألفية الثالثة وجد المغرب نفسه في قلب تحولات إقليمية ودولية غير مسبوقة، فالهجمات الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء سنة 2003 مثلت نقطة مفصلية في الوعي الاستراتيجي الوطني، وأظهرت الحاجة الملحة إلى إعادة بناء هندسة أمنية جديدة قادرة على الاستباق والوقاية، بدل الاقتصار على التدخل الارتجالي، في هذا السياق برز اسمان شكلا على مدى عقدين من الزمن، ثنائيا أمنيا متكاملا:  ياسين المنصوري الذي عين في سنة 2005 مديرا للإدارة العامة للدراسات والمستندات (DGED) وعمره آنذاك 43 سنة، و عبد اللطيف حموشي الذي عين في نفس السنة( سنة 2005) مديرا عاما للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) وهو في سن 39.
منذ ذلك التاريخ، أصبح التنسيق بين المؤسستين -الاستخبارات الخارجية والاستخبارات الداخلية- عنوانا بارزا للنموذج المغربي في إدارة المخاطر، فالتاريخ السياسي–الأمني في العالم ككل يظهر أن التنازع بين الأجهزة غالبا ما أفضى إلى شلل أمني أو إلى انزلاقات خطيرة، بينما اختار المغرب طريقا مغايرا يقوم على التكامل الوظيفي بدل التنافس المؤسساتي، لقد أدار السيدان ياسين المنصوري وعبد اللطيف حموشي هذه المعادلة الصعبة من خلال وعي مشترك بأن الأمن أصبح منظومة معقدة عابرة للحدود وأن المعلومات التي تلتقط خارجيا لا معنى لها إن لم تجد سندها داخليا والعكس صحيح.

طيلة عشرين سنة، تكونت بين الرجلين قناعة راسخة بأن المعلومة الاستخبارية هي عصب الأمن القومي، وأن فعاليتها مرتبطة بمسارها داخل شبكة متكاملة، هنا يمكن استحضار العديد من المحطات التي جسدت هذا التكامل: من تفكيك الخلايا الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش إلى التعاون الدولي المثمر مع أوروبا في ملفات الإرهاب والهجرة، وصولا إلى التحديات المستجدة في مجال الأمن السيبراني ومحاربة شبكات الجريمة المنظمة العابرة للأوطان والحروب الناعمة التي تستهدف رموز مؤسسات الدولة، في كل هذه الملفات كان الحضور المغربي يتعزز بفضل قدرة مؤسساته على الاشتغال بوحدة منسجمة حيث تتحرك الاستخبارات الخارجية على رقعة إقليمية ودولية بينما تترجم المعطيات داخليا إلى عمليات ميدانية بتنسيق مع المكتب المركزي للأبحاث القضائية وباقي الأجهزة.

الطابع الاستراتيجي لهذه الثنائية لا يقف عند حدود التنسيق العملياتي وإنما يمتد إلى الحكامة الأمنية، فالاختيارات الكبرى للدولة المغربية في مجال الأمن الوطني ارتكزت على تصور يربط الشرعية الأمنية بالشرعية الدستورية من خلال احترام القانون وضمان الرقابة القضائية وحقوق الإنسان، هنا أيضا لعب المنصوري وحموشي أدوارا متكاملة: الأول يشتغل في فضاء تحكمه الديناميات الجيوسياسية وتوازنات القوى الدولية، والثاني في مجال داخلي يقتضي حساسية مفرطة اتجاه الحقوق والحريات والثقة المجتمعية، هذا الوعي جعل التنسيق بينهما ليس مجرد تقاطع تقني ولكن خيارا استراتيجيا يندرج ضمن مشروع الدولة المترابط في تعزيز الأمن المندمج.
بين 2005 و2025، راكم المغرب رصيدا من النجاحات الاستباقية التي منحته ثقة شركائه الدوليين، وحولته إلى فاعل موثوق به في الأمن الإقليمي، فالتجربة المغربية لم تقتصر على حماية الداخل، بل ساهمت كذلك في استقرار الفضاء المغاربي والإفريقي والأطلسي ما جعل النموذج الأمني المغربي يستشهد به في تقارير ودراسات دولية باعتباره حالة نادرة من الفعالية والاستباقية في بيئة إقليمية موسومة بالهشاشة والاختراقات المتكررة، ويكفي التذكير بأن المعلومة الأمنية المغربية كانت حاسمة في مساعدة فرنسا على تفكيك الشبكات المتورطة في هجمات باريس 2015، وهو ما جعل الرباط شريكا استراتيجيا لا غنى عنه في الأمن الأوروبي، كما أن مساهمة المغرب في استقرار منطقة الساحل الإفريقي عبر تبادل الخبرات الاستخبارية والدعم الأمني والوساطة السياسية تعكس البعد الخارجي المتنامي للتكامل بين المؤسسات الأمنية المغربية.
إن مرور عشرين سنة على تعيين المنصوري وحموشي في منصبيهما ليس مجرد رقم كرونولوجي وإنما هو محطة دالة على تراكم مؤسساتي بني على وعي استراتيجي حكيم بأن قوة المغرب تكمن في توحيد أجهزته حول هدف مركزي: حماية أمن الدولة والمجتمع، ومواجهة التهديدات المعقدة بعقلية متكاملة استباقية، نعم إنها تجربة تظهر أن الأمن في المغرب لم يعد وظيفة تقنية مجردة وإنما عقيدة وطنية متكاملة تستند إلى التعاون الداخلي والخارجي، إلى الشرعية القانونية والسياسية وإلى فهم عميق لمعادلة التوازن بين الاستقرار والتنمية.

وهكذا فإن ثنائية السيدان المنصوري–حموشي، على امتداد عقدين من الزمن هي مدرسة في التكامل الأمني ساهمت في ترسيخ صورة المغرب كبلد قادر على مواجهة التحديات بأدواته الذاتية وفي الآن نفسه كحليف استراتيجي لا غنى عنه في الساحة الدولية.
يمثل هذا المستوى الأمني الرفيع الذي وصلت إليه المملكة المغربية الشريفة الرؤية الملكية الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي اختار بعين بصيرة رجلين وطنيين مخلصين، جسدا بتفانيهما قيم الولاء والإخلاص للسدة العالية بالله، ورمزا و مثالا حيا على حب الوطن، مما يجسد حكمة الملك ورؤيته المتبصرة، الذي وضع ثقته في شابين قبل عشرين عاما ليصنع منهما بتوجيهاته السديدة رافعة قوية لحماية أمن المغرب وتعزيز مكانته الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى