
بقاعة الاجتماعات الكبرى بمقر جماعة مراكش ، تنعقد الآن دورة شتنبر العادية وسط أجواء من الترقب الذي ينساب بين المقاعد والوجوه، الشكل العام يبدو مألوفا، لكن العمق يكشف عن إحساس غامض يلون الفضاء: لبس يختلط بالارتباك، وابتسامات متبادلة لا تخلو من الريبة، كأنها أوراق لعب تخفى أكثر مما تكشف.
تلوح الانتخابات المقبلة في الأفق كسحابة ثقيلة، تجعل الكلمات توزن بميزان الذهب، وتجعل العيون تراقب بعضها البعض بحدة وصمت، عيون تستفهم، وأخرى تحاول قراءة الوجوه، وبعضها يلمع بجرأة تحاول أن تغطي على خوف دفين من المستقبل السياسي ،الكلمات قليلة لكنها مشحونة بمعان و تلميحات، ورسائل غير مكتملة، كلها تقال وكأنها تسير فوق حبال أسلاك الكهرباء ذات التوتر المرتفع.
هنا يتحول المشهد إلى مسرح سياسي صغير يعكس لعبة كبرى، حيث يتقاسم المنتخون المداخلات بارتجال مدروس، يسعى كل منهم إلى الظهور في موقع الفاعل لا المفعول به، ومع ذلك يظل السياق السياسي الحقيقي خلف الستار غير معروف، مطموسا في ضباب المرحلة المقبلة، حيث لا اليقين يملك السلطة ولا الشك يفسح الطريق.
ما يميز دورة شتنبر هذه هو انعقادها في مرحلة دقيقة، تتقاطع فيها الحسابات الانتخابية مع رهانات التدبير اليومي لساكنة المنارة، فالجلسة ليست مجرد التصويت على نقط في جدول الأعمال أو تلاوة تقارير، وإنما فرصة لقراءة النوايا واستشعار التحولات، فالوجوه الهادئة تحمل خلفها أسئلة معلقة: من سيبقى؟ من سيرحل؟ ومن يغامر بمستقبله السياسي في لعبة لا ترحم؟
ما هو أكيد أن الضرب تحت الحزام حاضر في أجواء دورة شتنبر، ولو بشكل غير معلن، فبين التلميحات الصامتة، والتحالفات المؤقتة، والخطابات الدقيقة، يظهر استخدام الاستراتيجيات الخفية لمحاولة إضعاف المنافسين أو تحييدهم قبل الوصول إلى الانتخابات المقبلة، هذه الممارسات ليست مجرد مناورة سياسية، وإنما تعكس واقعا عمليا يفرضه التنافس على النفوذ والكرسي، حيث لا يكفي الأداء الرسمي في الجلسات أو الخطاب المعلن، ولكن تختبر القوة الحقيقية في معرفة كيفية اللعب بخفايا السياسة، وفي قراءة الإشارات غير المعلنة بين السطور.
تظل دورة شتنبر بمقاطعة المنارة مرآة لواقع سياسي معقد يختزل السياسة بمدينة مراكش ، يختلط فيه التدبير اليومي بالرهانات الانتخابية، والمعلن بالمخفي، ليؤكد مرة أخرى أن السياسة ليست مجرد حوارات رسمية، بقدر ما هي فن قراءة النفوس والعيون، وفهم ديناميات المستقبل بين الأعضاء المنتخبين.
بين هذا وذاك ، هناك لاعب بقميص مدني وقبعة سياسية، يجلس في الكراسي الخلفية، يراقب المشهد بدقة، بعضهم ينتظر الإشارة ليمدح، ومنهم من ينتظرها ليقدح ويطبع، في لعبة دقيقة من المناورات السياسية، أما آخرون فقد صاروا اليوم أكثر طموحا، عيناهم على الكراسي الأمامية في المرحلة المقبلة، بعدما اكتشفوا أن هناك طرقا أخرى لممارسة السلطة ..