
على مدى أزيد من عشرين سنة، ظلّ المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكرّس مكانته كموعد سينمائي عالمي يحتفي بجمال الفن السابع وقدرته على الجمع بين الثقافات وإلهام الشعوب. وفي دورته الثانية والعشرين، التي تعقد خلال شهر نونبر 2025، يواصل المهرجان هذا التقليد العريق بتكريم أربع شخصيات بارزة تركت بصمات خالدة في عالم السينما: جودي فوستر، غييرمو ديل تورو، راوية، وحسين فهمي. تكريمات تجمع بين الشرق والغرب، بين التجارب الهوليوودية والعربية، لتجسّد غنى وتنوّع التعبير السينمائي في بعده الإنساني والكوني.
منذ طفولتها، كشفت جودي فوستر عن موهبة استثنائية جعلتها واحدة من أكثر الممثلات تأثيرًا في هوليوود. حازت جائزتي أوسكار، ونجحت في الجمع بين التمثيل والإخراج برؤية فنية ناضجة. تقول فوستر عن هذا التكريم: «يا له من شرف عظيم أن أكتشف مدينتكم الرائعة مراكش وهي تحتفي بسحر السينما. أشعر بفخر واعتزاز كبيرين لاختياري لهذا التكريم، كما أتشوق لتقديم فيلمي الفرنسي الجديد حياة خاصة».
أما المخرج المكسيكي العالمي غييرمو ديل تورو، الحائز على ثلاث جوائز أوسكار، فقد استطاع أن يخلق عوالم سينمائية يتقاطع فيها الرعب مع الرقة، والجمال مع الوحشية. يصف ديل تورو عودته إلى المدينة الحمراء بقوله: «يشرفني أن أُكرَّم في مراكش، المدينة التي احتضنتني منذ زيارتي الأولى. يسعدني أن أقدم للجمهور عملي الأكثر خصوصية فرانكشتاين».
في المقابل، تمثل الفنانة راوية، الاسم الفني لفاطمة هراندي، أحد أعمدة السينما المغربية بفضل صدقها في الأداء وقوة حضورها. من المسرح إلى السينما، بصمت أدوارها بإنسانية متدفقة تعكس ملامح المجتمع المغربي. تقول راوية في تصريح مؤثر: «تغمرني سعادة كبيرة أن أُكرَّم في بلدي، في المدينة الحمراء. علاقتي بالمهرجان حكاية وفاء وصداقة، ولقائي بجمهور مراكش دائمًا لحظة لا تُنسى».
أما الفنان المصري الكبير حسين فهمي، فبمسيرة تمتد لأكثر من نصف قرن، استطاع أن يجسّد نبل السينما المصرية وحداثتها. كممثل ومخرج ومنتج، ظل رمزًا للأناقة والتجديد في السينما العربية. وقال فهمي بالمناسبة: «بعد مشاركتي في الدورة الأولى، يسعدني أن أعود إلى مراكش التي لها مكانة خاصة في قلبي، فقد صورت فيها أحد أفلامي الأولى دمي ودموعي وابتسامتي. هذا التكريم لحظة ثمينة في مسيرتي».
من خلال هذه التكريمات، يكرّس المهرجان الدولي للفيلم بمراكش صورته كجسر بين الثقافات وملتقى للأصوات السينمائية المتنوعة. فبين عراقة التجارب العربية وابتكار السينما العالمية، يواصل المهرجان دوره في إبراز مكانة المغرب كمنارة للفن السابع في العالم، وفضاء يحتفي بالإبداع في كل أشكاله. السينما في مراكش ليست مجرد عروض على الشاشة، بل هي احتفال بالإنسان، بالذاكرة، وبالخيال الذي يوحّدنا جميعًا.



