
كشف اللقاء الأول الذي عقده الوالي الجديد لجهة مراكش آسفي مع هيئات وفعاليات المجتمع المدني بعمالة مراكش عن مؤشرات إيجابية تعكس تحوّلاً في علاقة الإدارة الترابية بمحيطها المدني. فمنذ اللحظات الأولى، بدا واضحاً أن الوالي كوّن انطباعاً مشجعاً حول مستوى النضج والمسؤولية التي أبانت عنها الجمعيات الحاضرة، والتي قدمت مداخلات قائمة على التشخيص الدقيق واقتراح الحلول، بعيداً عن خطاب الاحتجاج التقليدي.
نضج مدني واستعداد للتعاون
أبانت الجمعيات عن وعي واضح بما يتيحه دستور 2011، وانسجام مع التوجيهات الملكية التي تمنح المجتمع المدني دوراً مركزياً في الترافع وصناعة القرار الترابي. وكان الحضور المكثف واستعداد الفاعلين للحوار مؤشراً على رغبة حقيقية في بناء شراكة مستدامة مع السلطة، شرط مأسسة قنوات التواصل وضمان استمراريتها.
كما أن توسيع هذه الدينامية عبر لقاءات إضافية على مستوى الباشويات والدوائر القروية سيمنح صوتاً للمناطق التي غالباً ما تبقى خارج النقاش، ويُمكّن الإدارة الترابية من رؤية أكثر دقة لحاجيات المجال الترابي وتفاوتاته.
ملفات استعجالية لم تطرح… لكنها تفرض ذاتها
وانطلاقاً من روح هذا المسار التشاوري الجديد، تبرز مجموعة من الملفات ذات الأهمية القصوى، والتي يُفترض أن تُدرج ضمن أولويات المرحلة المقبلة:
-
مراجعة الامتداد الترابي لمقاطعة المنارة وفقاً لمخرجات الإحصاء الأخير وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات.
-
إعادة النظر في قرار نقل المحطة الطرقية إلى العزوزية لما قد يترتب عنه من أعباء على المواطنين، مع اقتراح اعتماد محطتين شمالية وجنوبية.
-
تحرير الطريق الوسطى لشارع الحسن الثاني من وضعها الحالي الذي يحدّ من وظيفتها المرورية، مع الإسراع في تأهيل حدائق المنارة وفق معايير دولية.
-
تسريع إنجاز توسعة مستعجلات المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس والتعجيل بالمشاريع الصحية المتأخرة بورزازات والرشيدية، للتخفيف من الضغط الكبير على مراكش.
-
تسريع رقمنة المدينة باعتبارها رهاناً استراتيجياً.
-
اعتماد إجراءات اجتماعية مساعدة مثل مجانية الرصيف والنقل الحضري لتلاميذ وطلبة المدينة.
-
تقييم مشروعي الحاضرة المتجددة وتثمين المدينة العتيقة عبر مؤسسات مستقلة قبل أي تسليم نهائي، لضمان احترام دفاتر التحملات وتبديد مخاوف التجار والساكنة.
تحديات بنيوية رصدها الوالي من اللقاء الأول
يبدو أن الوالي الجديد استوعب منذ البداية حجم التحديات التي تواجه عمالة مراكش، خاصة:
-
تشتت المبادرات التنموية وغياب التنسيق بين المتدخلين.
-
التفاوت بين المجالين الحضري والقروي واستمرار هشاشة الخدمات الأساسية في الجماعات القروية.
-
عدم قدرة الجماعات الترابية على الاستجابة لانتظارات الساكنة بالنظر لضعف مواردها وإطارها القانوني.
هذه الاختلالات تجعل الحاجة ملحّة لاعتماد رؤية ترابية مندمجة تعيد ترتيب الأولويات وتضمن عدالة مجالية حقيقية.
سيميائيات القيادة: رسائل قوية في لغة الجسد
سمح اللقاء برصد مؤشرات تواصلية لافتة عكست أسلوباً قيادياً مغايراً؛ إذ كان حضور الوالي تفاعلياً وغير بروتوكولي، اتسم بالإصغاء المباشر والانفتاح وتدوين الملاحظات. كما أن مبادرته بتصوير جماعي مع جميع الفاعلين حملت دلالة على رغبة في تقليص المسافة النفسية والإدارية بين السلطة والمجتمع.
أسلوب الوالي يجمع بين الهدوء والتواصل والانفتاح من جهة، والصرامة واحترام الضوابط من جهة أخرى، وهو مزيج يعكس محاولة لبناء نموذج جديد للحكامة الترابية، أكثر فعالية وتشاركية.
نحو مرحلة جديدة من العمل المشترك
يُظهر هذا اللقاء أن مراكش تمتلك رأسمالاً مدنياً وسياسياً وإدارياً يمكن أن يشكل رافعة قوية للتنمية، إذا ما تم استثمار هذا الزخم في إطار رؤية واضحة، ومؤطرة بالتوجيهات الملكية السامية التي تجعل من التشاور والتشارك ركناً أساسياً في تدبير الشأن العام.
وهكذا، يفتح هذا المسار التشاوري آفاقاً جديدة لعمل مؤسساتي مشترك، هدفه الارتقاء بجودة الخدمات وتحويل التحديات المتراكمة إلى فرص لبناء نموذج تنموي رائد يليق بمكانة مراكش وإشعاعها الوطني والدولي.



