24 ساعةحوادثسلايدرسياسةمجتمع

فاجعة آسفي… بين واجب التعزية ومسؤولية الوقاية

worldwatercongress.com

آسفي —بقلوب يعتصرها الأسى، ونفوس مؤمنة بقضاء الله وقدره، نتقدم بخالص التعازي وصادق المواساة إلى العائلات التي فقدت أبناءها في فاجعة آسفي الأليمة، سائلين المولى عز وجل أن يتغمّد الضحايا بواسع رحمته، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان، وأن يمنّ على المصابين بالشفاء العاجل.

غير أن مشاعر الحزن، على عمقها وصدقها، لا ينبغي أن تحجب واجب قول الحقيقة. فاختزال هذه الكارثة في “التساقطات المطرية الغزيرة” وحدها تبسيط مخلّ بالواقع، ولا يخدم مصلحة المدينة ولا سلامة ساكنتها. فالأمطار الغزيرة تهطل في مدن عديدة عبر العالم، لكنها لا تتحول إلى مآسٍ إنسانية بهذا الحجم إلا عندما تتقاطع مع عوامل بنيوية أخرى، في مقدمتها هشاشة البنية التحتية، ضعف الصيانة والوقاية، غياب خرائط المخاطر وتدبير التعرض، وقصور منظومات الإنذار المبكر والاستجابة.

وهو ما تؤكده المرجعيات الدولية في مجال تدبير مخاطر الفيضانات الحضرية، التي تجعل من الاستباق والتخطيط والوقاية عناصر أساسية لحماية الأرواح والممتلكات، لا مجرد تدخلات بعد وقوع الكارثة.

إن آسفي، هذه الحاضرة العريقة وجوهرة الساحل الأطلسي، بما تزخر به من تاريخ وهوية ومؤهلات بشرية وثقافية، لا تحتاج اليوم إلى خطابات رثاء بقدر ما تحتاج إلى عناية مؤسساتية مُلزمة، وإلى تدبير حضري وقائي ينصف المدينة العتيقة والأحياء الهشة، ويحمي ساكنتها الذين ضاقت بهم ظروف العيش، فجاءت الفاجعة لتضاعف الألم والمعاناة.

ومن هذا المنطلق، فإن هذه المذكرة لا تقف عند حدود التشخيص أو تسجيل الخسائر، بل تتجه إلى جوهر المسؤولية العمومية:
مسؤولية منع تكرار الكارثة عبر، برمجة استثمارات وقائية واضحة في البنيات التحتية وتصريف مياه الأمطار؛إعداد وتحيين خرائط المخاطر، خاصة بالمناطق التاريخية والهشة؛ تعزيز منظومات الإنذار المبكر والتدخل السريع؛إرساء تنسيق فعّال ودائم بين مختلف المتدخلين محلياً وجهوياً ووطنياً.

وذلك كله في إطار ما يقرره الإطار القانوني الوطني المؤطر للوقاية من الفيضانات وتدبير مخاطرها، ولا سيما قانون الماء رقم 36.15، والمرسوم رقم 2.23.80 المتعلق بالحماية والوقاية من الفيضانات وتدبير الأخطار المتصلة بها.

إن الوفاء الحقيقي لضحايا فاجعة آسفي لا يكون بالحداد وحده، بل بجعل هذه المأساة نقطة تحوّل نحو سياسات حضرية أكثر عدلاً ونجاعة، تضع حياة المواطن وكرامته في صلب القرار العمومي.

worldwatercongress.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى