د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء
بيان غرائبي يشبه الهذيان ذاك الذي صدر عن وزارة خارجية النظام العسكري الجزائري بحجة أن المملكة المغربية “شرعت في مرحلة تصعيدية جديدة في سلوكياتها الاستفزازية والعدائية تجاه الجزائر، على شاكلة ما تم تسجيله مؤخرا من مشروع يهدف لمصادرة مقرات تابعة لسفارة الدولة الجزائرية في المغرب”، وأوضحت أنها “ستلجأ إلى كافة السبل والطرق القانونية المتاحة، لا سيما في إطار الأمم المتحدة، بغرض ضمان احترام مصالحها”، واعتبرت أن هذه الممارسات تتنافى واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية!
لقد رافقت هذا البيان حملة إعلامية وسياسية تجند لها كثير من الطيف السياسي والأبواق الإعلامية والحقوقية المسخرة، والكل يتحسر عن هذا “الانتهاك الخطير للقانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية”، بل وصل الأمر ببعض التشكيلات السياسية، مثل حزب جبهة المستقبل، أن وصفت هذا “التصعيد” بأنه خدمة للأجندة الصهيونية…! وانبرى المدعو عبد القادر بن قرينة يدعو في خطاب حماسي إلى الحشود “إلى أي قرار يتخذه رئيس الجمهورية لاسترداد الحق الوطني”، بينما انبرى كثير من أشباه المحللين في تفسيراتهم الخرافية ليعلنوا أن هذا العمل يدخل في إطار الأجندة الصهيونية، وأنه جاء تزامنا مع ما تقوم به “مكة الثوار” من تحركات دبلوماسية وأممية لنصرة القضية الفلسطينية وباقي القضايا “العادلة”.
وأدانت حركة النهضة ما وصفته بالتصرفات الاستفزازية التي تعد عملا يتنافى مع القوانين والأعراف الدبلوماسية، وأكدت أن هذه التصرفات تعد خدمة مجانية للمحتل الصهيوني وتنفيذا لمخططاته الرامية إلى تعكير الاستقرار في المنطقة!
تلك إذن بعض من حملة إعلامية مسعورة جند لها النظام العسكري الجزائري كل أذنابه وأبواقه بهدف تغليط الرأي العام الوطني والدولي.
بناء على ما تقدم، نذكر سدنة ثكنة بن عكنون والأشقاء الجزائريين المغلوب على أمرهم بأن العقارات الثلاثة الموجودة بمنطقة حسان المجاورة لمقر وزارة الخارجية المغربية التي باشرت السلطات العمومية المغربية إجراءات نزع ملكيتها، ليست جزءا من السفارة الجزائرية التي توجد في طريق زعير بشارع محمد السادس، علما أن نزع الملكية معترف به في نظام القانون الدولي، وذلك ما اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 دجنبر 1974 حول الحق السيادي للدول في ما يتعلق بنزع الملكية، حيث إن لكل دولة الحق في تأميم أو نقل ملكية الأملاك الأجنبية، مع مراعاة قوانينها وكافة الظروف التي تراها مناسبة، كما أن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية تتعلق بالسفارات والمؤسسات القنصلية، وليس الممتلكات التي هي مكان غير مستخدم بالأساس وهي أصل النزاع.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية التوسيع التي تعرفها وزارة الخارجية المغربية شملت مباني دبلوماسية لدولة سويسرا وكوت ديفوار. وللتوضيح أكثر، فإن السلطات الجزائرية كانت على علم بهذه الإجراءات منذ سنوات، حيث أبلغت وزارة الخارجية السلطات الجزائرية برغبة الدولة المغربية شراء المبنى المذكور وديا، وهو في الأصل هدية من الدولة المغربية، وهذا في علم القنصل العام الجزائري بالدار البيضاء الذي استقبل مرارا في وزارة الخارجية المغربية من أجل مناقشة الموضوع، كما أحيلت 8 مراسلات رسمية إلى السلطات الجزائرية، مما يظهر أن اتهامات الجزائر للرباط “بالسطو” على عقارات تابعة لها في المغرب لا أساس لها من الصحة، ويندرج ذلك في نطاق حملة غير مبررة تهدف إلى مرامي أخرى مبيتة، وأن المغرب يحترم المساطر القانونية الجاري بها العمل فوق ترابه وأيضا القوانين والاتفاقات الدولية الموقعة في هذا الإطار، بما فيها اتفاقية فيينا. وللإفادة أكثر، نشير إلى أن هذه العقارات المهداة مجانا كما أكدنا في سالف الذكر، أبرم على إثرها اتفاق مع الجزائر بإخلائها ومقايضتها بمقرات أكبر في منطقة زعير، لكن البعثة الدبلوماسية الجزائرية تماطلت عن قصد في تسليم العقارات الأولى رغم الاتفاق المبرم سلفا بين الطرفين.
إنها حملة قذرة ذات نوايا وخلفيات سيئة يقوم بها النظام العسكري.
لقد أثارني كثيرا أن أبواق النظام العسكري الجزائري حشرت بلا حياء أو خجل القضية الفلسطينية في الموضوع، وتباكت على خرق مواثيق القانون الدولي واتفاقية فيينا، بل وسردت في ذلك الكثير من الخيالات والعنتريات، ومادام الشيء بالشيء يذكر، ماذا نسمي مأساة طرد آلاف المواطنين المغاربة من الجزائر عام 1975 وسلب ممتلكاتهم وأغراضهم في تعد صارخ لكل الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم؟ ألم تستبيحوا المعايير الدولية التي تحكم سياسات الهجرة وخرق المادة 1 والمادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما سنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 دجنبر 1948؟ حيث يحدد القانون الدولي لحقوق الإنسان الالتزامات التي يجب على الدول احترامها، لأن احترام حقوق الإنسان ينطوي على الامتناع عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان المهاجر، وفي سياق الهجرة، يشمل الامتناع عن الاحتجاز التعسفي أو التعذيب أو الطرد الجماعي للمهاجرين.
وماذا عن آلاف المهاجرين الأفارقة الذين ترمي بهم “القوة الضاربة” و”مكة الثوار” على الحدود مع النيجر ومالي في ظروف لا إنسانية حيث يجبرون على السير لمسافات طويلة في الصحراء، وفي درجات حرارة عالية، دون مراعاة وضعهم القانوني وبدون أي إجراءات قانونية؟
لقد سبق أن دعت “مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان” الحكومة الجزائرية إلى الامتناع عن طرد المهاجرين طردا جماعيا، إلا أن الجزائر تمادت في أعمالها التعسفية ضد المهاجرين، بل وضربهم والتنكيل بهم، وفي مناسبات عدة سرقت هواتفهم وحاجياتهم الشخصية، كما أدت عمليات الطرد إلى فصل العائلات!
يحدث هذا والجزائر يا للغرابة طرف في “الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم” التي تحظر الطرد الجماعي للعمال المهاجرين وعائلاتهم وتشترط فحص كل طرد محتمل بشكل فردي، وهذه الاتفاقية تنطبق على جميع المهاجرين وأسرهم، بغض النظر عن وضعهم القانوني أو عملهم.
ونجد أن القانون رقم 11.08 الصادر في 25 يونيو 2008 بشأن شروط الدخول والإقامة وحركة الأجانب في الجزائر يمنح السلطات صلاحية طرد الأجانب الذين دخلوا الأراضي الجزائرية بصورة غير شرعية أو انتهت صلاحية تأشيرات دخولهم، لكنه يطلب منها إبلاغ الشخص بأن لديه 48 ساعة و15 يوما لمغادرة الإقليم، حيث يمنح الشخص خمسة أيام للطعن في القرار أمام قاضي الأمور المستعجلة في المحكمة الإدارية، الذي أمامه عشرين يوما لاتخاذ قرار بشأن مشروعية القرار، إلا أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” أكدت أن السلطات الجزائرية لم تتبع هذا الإجراء في الحالات الموثقة.
وبصفتها طرفا في “الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين” لعام 1951 و”اتفاقية مناهضة التعذيب” وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1987، يحظر على الجزائر ترحيل أي لاجئ أو طالب لجوء قسرا إلى مكان قد يتعرض فيه للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية والمهينة، إلا أن بلاد القوة الضاربة تضرب بكل القوانين عرض الحائط، بل تتمادى في خرق مواثيق القانون الدولي، حيث تنص المادة 23 من اتفاقية العمال المهاجرين على أن “يتمتع العمال المهاجرون وأفراد أسرهم بالحق في اللجوء إلى الحماية والمساعدة من السلطات القنصلية أو الديبلوماسية لدولة منشئهم أو للدولة التي تمثل مصالح تلك الدولة كلما حدث مساس بالحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية، وبصفة خاصة، يخطر الشخص المعني في حالة الطرد بهذا الحق دون إبطاء، وتيسر سلطات الدولة القائمة بالطرد ممارسة هذا الحق”.
وتنص المادة 15 من اتفاقية العمال المهاجرين، والجزائر للإشارة طرف فيها، على أن “لا يحرم العامل أو المهاجر أو أي فرد من أسرته تعسفا من ممتلكاته، سواء أكانت مملوكة ملكية فردية أو بالاشتراك مع الغير”.
ونجد أن الكراغلة لم يطبقوا هذه المواثيق الدولية وكذا المبادئ التوجيهية قبل ترحيل طالبي اللجوء في الحالات التي تم توثيقها من قبل المنظمات الدولية والهيئات الحقوقية، حيث انتقدت منظمة “أطباء بلا حدود”، مؤخرا، “الممارسات غير الإنسانية” التي يتعرض لها الأفارقة جنوب الصحراء.
واليوم، دعت هذه المنظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا اتخاذ المتعين في حق آلاف المهاجرين الذين تم ترحيلهم من الجزائر وتركهم في صحراء شمال النيجر، حيث تقطعت بهم السبل، وباتوا بلا مأوى أو رعاية صحية أو حماية، ولا تتوفر لهم حتى الضروريات الأساسية.
ونجد أن “مكة الثوار” و”قبلة الحرائر”، التي تدعي عبر أبواقها الإعلامية أنها بلاد لم الشمل العربي، مازالت تواصل طرد المهاجرين السوريين والفلسطينيين واليمنيين، وترحيلهم إلى النيجر، رغم أنهم لم يدخلوا الأراضي الجزائرية من النيجر، بل إن جوازاتهم تحمل التأشيرة الليبية، وكثيرا ما يتحدث المتضررون إلى وسائل الإعلام الدولية أو منظمات الإغاثة وحقوق الإنسان العاملة في النيجر حول احتجازهم وتعرضهم للضرب وأشكال أخرى من استخدام العنف على أيدي أفراد قوات الأمن الجزائرية، وقد أصدرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية تقريرا وثقت فيه ترحيل السلطات الجزائرية للمئات من طالبي لجوء سوريين إلى مناطق صحراوية نائية لا تتوفر فيها مقومات الحياة، ورافق عمليات الترحيل-تؤكد المنظمة-ارتكاب الشرطة الجزائرية تجاوزات بحق طالبي اللجوء، تمثلت في سلبهم معظم مقتنياتهم الشخصية ذات القيمة، ومعاملتهم بقسوة خلال الترحيل وسط غياب الإجراءات الواجبة للاعتراض على الترحيل.
“أساماكا” بلدة حدودية صغيرة توجد في منطقة أغاديز شمال النيجر، اسمها بات مقرونا بالخوف والدم والرعب والدموع… من طرف مهاجرين مغلوب على أمرهم، حيث يرمون إليها حفاة عراة جياعا… “أساماكا” سجن كبير، ووشم في الذاكرة الإفريقية الجريحة، يروي غطرسة عساكر جزائريين، استقووا على عزل مهاجرين، ذنبهم أنهم صدقوا يوما أن أرض الكراغلة مزرعة خبز إفريقيا وحاضنة أحلامهم البئيسة… وأنها بلد المليون شعار، ونفخ في الهواء…
سدنة ثكنة بن عكنون، إن القانون الدولي كل لا يتجزأ ولا يمكن التعامل معه بانتقائية، إنكم تتكلمون عن استباح الحرمات، وأنتم ما فتئتم تتحرشون بالسيادة المغربية عن طريق احتضان كائنات انفصالية وتزويدها بالمال والسلاح وشراء الأصوات والذمم من ثروات الشعب المقهور، تريدون النيل من المملكة المغربية الشريفة الدولة الأمة ذات التاريخ العصي عن التحريف.
هل نذكركم بأن القانون الدولي الذي تتمسحون به، أنتم محترفو اختراقه وانتهاكه، ألستم من اتخذ التدخل في شؤون سيادة الدول عقيدة وإيديولوجية ثابتة لنظام حكمه؟ هل تناسيتم أن مبدأ عدم التدخل من المبادئ الأساسية التي قامت عليها الأمم المتحدة، حيث نص ميثاقها في الفقرة السابعة من المادة الثانية على ضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما تؤكد الفقرتان الرابعة والسابعة من المادة الثانية أن التدخل بالقوة المسلحة في الشؤون الداخلية للدول يتعارض وأسس الشرعة الدولية، لأنها تحظر استخدام القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس أو وفق تفويض مسبق من مجلس الأمن وضمن شروط محددة.
إذن من يخرق قواعد القانون الدولي؟ من يشجع على التقسيم والانفصال؟ من يتنكر لأواصر الدم والعرق والتاريخ المشترك؟ من جعل بلاده كيانا وظيفيا يخضع للإملاءات؟ من يهدر الثروات في شراء أسلحة الخردة؟ من جعل من حفنة من الخونة والفارين من العدالة “زعماء” ونصبهم في حفل تنكري بئيس أصبح محل مسخرة وتنكيت في كل بقاع العالم؟
خلاصة القول، لقد تماديتم في حمقكم وتهوركم، وتلعبون بنار حتما ستصليكم. هذا نداء واللبيب بالإشارة يفهم؛ أليس فيكم رجل حكيم يذكركم بأن حبل الكذب قصير؟ وإن لم تستحوا قولوا ما شئتم، وإن عدتم عدنا والتاريخ من الشاهدين