.إلى الآن، لم يتم تحديد موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس، التي من المفترض أن تجرى في الربع الرابع من عام 2024، ولم يُعلن الرئيس التونسي الحالي قيس سعيد ما إذا كان سيترشح لمنصب الرئاسة أم لا. لكن كل المؤشرات تقول بأنه سوف يترشح لإعادة انتخابه.
ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق فقط بالحملات الانتخابية، وإنما أيضاً بما يصفه معارضون وناشطون بـ « حملة القمع » المتزايدة ضد الصحفيين والمعارضين السياسيين والمجتمع المدني، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها مؤشر على خارطة الطريق التي وضعها سعيد للفوز بفترة ولاية رئاسية أخرى مدتها خمس سنوات.
وانتُخب سعيد، أستاذ القانون السابق البالغ من العمر 66 عامًا، رئيسًا في أكتوبر 2019 بصورة ديمقراطية.
ومع ذلك، ففي يوليوز 2021، أطلق سعيد حملة جريئة لتجميع السلطات في يده وقام منذ ذلك الحين بتفكيك معظم الهيئات الديمقراطية.
وقالت مروة مراد، المتحدثة باسم منظمة حقوق الإنسان السويسرية « لجنة من أجل العدالة »، لـ DW: « يبدو أن موجة القمع الأخيرة التي قام بها الرئيس قيس سعيد مرتبطة بشكل معقد بالانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس ».
وأضافت أنه من خلال قمع المجتمع المدني وتقييد كل من حريات التعبير وتكوين الجمعيات، يهدف الرئيس سعيد إلى تعزيز سلطته والحد من التحديات المحتملة لسلطته قبل الانتخابات.
ويتفق مع ذلك لامين بنغازي، وهو زميل غير مقيم في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط ومقره واشنطن. وقال بنغازي لـ DW « إن السنة الانتخابية في تونس تتسم بالخوف والقمع وغياب سيادة القانون، نظراً لأن الهيئة الانتخابية المكلفة بالإشراف على الانتخابات فقدت استقلاليتها ».
علاوة على ذلك، « ومع تفكيك الهيئات المستقلة، وتعرض استقلالية القضاء للخطر الشديد، وسجن جزء كبير من المعارضة السياسية أو مواجهة إجراءات قانونية، وإخضاع وسائل الإعلام لرقابة صارمة، فإن هناك مخاوف جدية من أن المجتمع المدني التونسي قد يكون الهدف التالي في حملة قيس سعيد ». وقال بنغازي: « إنها حملة لتفكيك القوى المضادة ».
من جهته، لا يرى مركز الأبحاث الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، ومقره واشنطن، أي أملٍ في أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس شفافة أو نزيهة. وذكر المركز البحثي مؤخرًا على موقعه على الإنترنت أن « سعيد منع مراقبي الانتخابات الدوليين من مراقبة انتخابات 2024 ».
« سياسة ممنهجة لإسكات الصحفيين »
خلال هذا الأسبوع، أوقفت النيابة العامة التونسية الصحفي التلفزيوني الشهير وأحد منتقدي الرئيس التونسي المعروفين، محمد بوغالب، بعد استجوابه من قبل وحدة الجرائم الإلكترونية في ضواحي العاصمة التونسية تونس.
وبحسب وسائل إعلام محلية، اتهمت موظفة في وزارة الشؤون الدينية التونسية بوغالب بـ « الإضرار بشرفها وسمعتها » من خلال منشورات على فيسبوك.
وقال زياد دبار نقيب الصحفيين التونسيين لـ DW إن « اعتقال محمد بوغالب يعكس سياسة ممنهجة لإسكات الصحفيين وانتهاك الإجراءات القانونية ». وأضاف أنه « بإبقاء بوغالب رهن الاحتجاز، فإن المرسوم 117 الذي ينظم حرية الصحافة يتم انتهاكُه ».
كما أعربت المنظمة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان (غير ربحية)، ومقرها سويسرا، عن قلقها المتزايد بشأن « التوسع الخطير للقمع الحكومي في تونس »، حسبما ذكرت المنظمة في وقت سابق من هذا الأسبوع بعد الحكم على غسان بن خليفة، رئيس تحرير موقع « انحياز » بالسجن لمدة ستة أشهر، حيث اتهم بأنه وراء صفحة معارضة لقيس سعيد على الفيسبوك.
كما أعربت المنظمة الحقوقية عن قلقها من استدعاء لطفي المرايحي، الأمين العام لحزب اتحاد الشعب الجمهوري، هذا الأسبوع، على خلفية تصريحات أدلى بها على محطة إذاعية خاصة انتقد فيها الرئيس سعيد.
واعتبر المرصد الأورومتوسطي أن « ملاحقة واستهداف المرايحي هو تجسيد للقمع الحكومي الممنهج المستمر منذ عامين ضد الشخصيات السياسية في البلاد، خاصة قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في تونس نهاية العام الجاري ».
تحسن في الوضع الاقتصادي
ومع ذلك، تشير أوتا ستاشيوسكي، التي ترأس مكتب تونس في مؤسسة هانس سايدل الألمانية، إلى أنه على الرغم من القمع، فإن « إدارة سعيد لا تزال تتمتع بقبول واضح بين السكان، مما يشير إلى رد فعل قوي على سياساته »، كما قالت لـ DW.
وبشكل رسمي، أصبح الاقتصاد التونسي أكثر استقرارًا في العام الماضي بعد أن عانى من ضائقة مالية في عامي 2021 و2022.
وبحسب البيانات الحكومية، فقد تم تخفيض الدين الخارجي دون اللجوء إلى القروض الدولية، كما أن مناخ الأعمال إيجابي مع عودة السياحة إلى مستويات ما قبل الوباء، وكلها أمور ساهمت في تحسين الوضع الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك، ساهمت التحويلات المالية في تعزيز استقرار الاقتصاد.
وبحسب المعهد الوطني للإحصاء التونسي، فقد انخفض معدل التضخم إلى 7.8% في مارس 2024.
علاوة على ذلك، يشير تقرير حديث لصحيفة فايننشال تايمز إلى أن الاتحاد الأوروبي أعلن عن خطط لتخصيص ما يصل إلى 164.5 مليون يورو (177.74 مليون دولار) لقوات الأمن التونسية على مدى ثلاث سنوات. ويرتبط التمويل بصفقة الهجرة التي تم توقيعها في عام 2023.
ومع ذلك، يشير المراقبون إلى أنه على الرغم من الاستقرار الاقتصادي، إلا أن النموذج الاقتصادي للبلاد لا يزال دون إصلاح. وقالت ستاشيوسكي لـ DW: « هناك أيضاً تناقض بين الإنجازات الاقتصادية الرسمية والواقع اليومي للشعب التونسي، كما أن النموذج يتميز بالاختناقات الاقتصادية ».
احتجاجات على ارتفاع الأسعار
وفي وقت سابق من شهر مارس، خرج التونسيون إلى الشوارع للاحتجاج على تدهور مستويات معيشتهم.
وقال رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، إن قدرة الدولة على خدمة ديونها الخارجية في عام 2023، كانت على حساب الشعب وأدت إلى نقص في المنتجات الأساسية، بحسب ما قال خلال إحدى المظاهرات.
ويؤكد شكري بن نصير، موظف في مطبعة عمومية، هذه الملاحظة. وقال الرجل البالغ من العمر 36 عاماً لـ DW: « لقد تضاعفت الأسعار ثلاث مرات على الأقل، والآن في شهر رمضان، تجاوز سعر كيلو اللحوم الحمراء 42 ديناراً (12.40 يورو/ 13.47 دولاراً) ».
وبإمكانه هو وزوجته تغطية نفقاتهما فقط عندما يعمل كلاهما.
أما عائشة بن عطية، الموظفة المتقاعدة، التي تعيش بمفردها، فالوضع لديها أسوأ. وقالت السيدة البالغة من العمر 68 عاماً لـ DW: « أنا غير قادرة على دفع ثمن أدويتي ». وأضافت: « أعاني من أمراض مزمنة مثل السكري وضغط الدم، وكنت سأموت بالفعل لو لم يساعدني جيراني وعائلتي مالياً في دفع تكاليف عملية جراحية ».
وحتى الآن، لم يفقد بن نصير ولا بن عطية الأمل في وضع أفضل في بلادهما، وهو ما سيكون بالتأكيد أحد الوعود الرئيسية للمرشحين الرئاسيين في وقت لاحق من هذا العام.
اجتذاب المزيد من المؤيدين؟
ويوم الأربعاء (27 مارس 2024) حكم القضاء التونسي بالإعدام على أربعة مدانين في قضية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد عام 2013، في أول حكم يصدر في هذه القضية التي أثارت صدمة في البلاد وتسببت بأزمة سياسية كبرى.
وأدين 23 شخصاً في اغتيال المحامي البالغ 48 عاماً داخل سيارته أمام منزله في السادس من فبراير 2016. وكان بلعيد من أشد منتقدي حركة النهضة الحاكمة في ذلك الحين في تونس واضطرت اثر اغتياله إلى الخروج من السلطة مؤقتا.
وتبنى جهاديون مرتبطون بتنظيم « الدولة الإسلامية » اغتيال شكري بلعيد، وكذلك اغتيال المعارض اليساري محمد البراهمي (58 عاما) بعد ستة أشهر. وعارض بلعيد والبراهمي سياسة حركة النهضة التي هيمنت على البرلمان والحكومة بعد الثورة في تونس عام 2011، إلى أن تفرّد الرئيس الحالي قيس سعيد بالسلطات في 2021 بعد انتخابه عام 2019.
وفي يونيو 2022، أمر قيس سعيد الذي جعل من اغتيال « الشهيدين » قضية وطنية، بإقالة عشرات القضاة من بينهم قضاة يقول سعيّد أنهم مشتبه بهم في عرقلة التحقيق، فيما فسره مراقبون ومتابعون أنه يأتي في إطار محاولات قيس سعيد لاجتذاب المزيد من الأنصار إليه وخصوصاً من معارضي حركة النهضة.