يعد متحف عين أسردون، الذي يتوسط الحدائق النباتية لهذا الموقع السياحي، إطارا هندسيا معماريا من الجيل الحديث، يلبي تطلع زوار مدينة بني ملال لاسكتشاف غنى وتنوع تاريخ وتراث الجهة الوسطى من المملكة.
تنقل هذه المؤسسة الثقافية أسرار الماضي إلى الحاضر، وتلبي شغف البحث في خبايا التراث الثقافي للجهة، ومقوماتها الحضارية والمعمارية، معتدة في ذلك كله بالتقنيات الحديثة، لاسيما المجسمات الرقمية والخرائط، وغيرها من المعدات المتطورة.
ويشمل مبنى المتحف الجديد عدة قاعات تعرض المراحل الأساسية التي مر منها تشكيل جهة بني ملال-خنيفرة منذ فترة ما قبل التاريخ؛ وهي مراحل موثقة بدقة بواسطة كليشيهات ومسوحات أركيولوجية تعود بالذاكرة إلى الحقبة القديمة.
ويقف الجمهور على هذا التاريخ بفضل القاعات والأجنحة المخصصة للتراث الطبيعي للجهة، وتاريخها، وآثارها، وتراثها المعماري والعمراني، ولخبرة وبراعة صناعها التقليديين.
ويعرض المتحف الجوانب المختلفة للتراث الطبيعي والتاريخي والعمراني المادي وغير المادي لهذه الجهة عبر العصور المتتالية، منذ ظهور الإسلام مع وصول سيدي عيسى بن ادريس ممثلا للعصر الإدريسي الذي تميز بنشأة المدن الأقطاب ك(فزاز) و(داي) و(تغلفت) حتى ظهور المراكز التجارية على سفوح الجبال مع العصر المرابطي.
ويتم الوقوف عند كل حقبة باستخدام أشرطة ولوحات ملموسة تيسر شرح المراحل الرئيسية التي ميزت إنشاء مدينة بني ملال، منذ عهد المرينيين مرورا بعهدي الوطاسيين والسعديين إلى ظهور الدوحة العلوية الشريفة.
كما يقدم هذا المركز غير المسبوق بجهة بني ملال ـخنيفرة، تفاصيل عن التراث الجيولوجي والجيوـمورفولوجي والمائي للجهة من خلال صور ونصوص باللغة العربية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية واللغة الأمازيغية، توضح تنوع الجهة الممتدة على الأطلس الكبير الأوسط والأطلس الأوسط وسهل تادلة.
وخصصت باقي قاعات المتحف للمواقع التاريخية والسياحية للجهة على غرار قصر عين أسردون، والحديقة النباتية لهذا المنبع المائي، والبحيرات المتوفرة بالجهة ووديانها وقممها الخلابة وكذا مناظرها الطبيعية الآسرة.
وتأخذ هذه المعلمة زوارها في رحلة عبر عالم الهندسة المعمارية للقرى المنتشرة على المرتفعات، كاشفة خصوصيتها عبر شرح مفصل مطبوع على مجسمات وأشرطة فيديو.
وفي قلب هذه الواجهة المعرفية، يتم عرض العديد من مكونات تراث الجهة، مستحضرا أسرار خبرة الأجداد في مجال الحرف اليدوية، لاسيما نسيج الزرابي كزربية خنيفرة، وأبي الجعد، وأزيلال، وبني ملال.
ولا يقف المتحف عند هذا الحد، بل يتجاوزه للتعريف بأزياء وحلي عدة مناطق بجهة بني ملال ـ خنيفرة، مع إبراز أسلوب حياة الساكنة المحلية ونمط اللباس الذي تختص به جهة بني ملال ـ خنيفرة.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد المحافظ الجهوي للتراث الثقافي ببني ملال ـ خنيفرة، محمد شكري، أن هذه المعلمة الجديدة تسعى لأن تكون دافعا قويا نحو النهوض بالجهة وبمكوناتها الحضرية والسياحية والجيولوجية والتاريخية، مشيرا إلى أن المتحف سيكون بمثابة فضاء بحثي للطلبة الراغبين في الحصول على المعلومات حول الحقب التاريخية للجهة.
وأشاد شكري بافتتاح هذا المرفق الثقافي الذي يعزز المؤسسات التراثية المخصصة للنهوض بالسياحة داخل الجهة، موضحا أن من شأنه أن يتيح للزوار والسياح اكتشاف أغوار الثقافة الجهوية ومكوناتها الحضارية التي تذيع صيت جهة بني ملال ـخنيفرة.
ويندرج إحداث المتحف في إطار اتفاقية شراكة تربط بين وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني وبين مجلس جهة بني ملال ـ خنيفرة، ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، والشركة المغربية للهندسة السياحية.
وتنص الاتفاقية على تهيئة وتأهيل الموقع السياحي لعين أسردون بتمكينه من فضاءات جذب واسترخاء حديثة، تماشيا مع الاستراتيجية السياحية الجهوية الرامية إلى بعث روح جديدة في السياحة المحلية.