24 ساعةسلايدرسياسةمجتمع

تمكين المرأة من خلال التعاونيات والدعم النفسي الاجتماعي: طريق نحو التنمية المستدامة

بقلم فاطمة الزهراء العريبي
مدربة التمكين النفسي والاجتماعي بمؤسسة الأطلس الكبير

قد يفترض البعض أنه بعد عام من القيام بورشات الدعم النفسي والتمكين الاجتماعي، تتضاءل الحاجة إلى مثل هذه الورش. ومع ذلك، فإن تجربتنا كميسرين يعملون في مناطق قروية نائية بالمغرب تحكي قصة مختلفة.

إن الآثار المتبقية من زلزال سبتمبر 2023 المؤلم على سكان جبال الأطلس الكبير، جنبًا إلى جنب مع التحديات السوسيواقتصادية التي يواجهها العديد منهم يعني أن الطلب على الدعم النفسي والاجتماعي لا يزال مرتفعًا. على سبيل المثال، شاركت إحدى المشاركات خوفها من العودة إلى منزلها، مفضلة البقاء في الخيمة المؤقتة، بسبب الصدمة المستمرة التي تعرضت لها. وقالت أخرى “افتقدت الاتكاء على الحائط، لأن منزلي انهار، والآن أعيش في خيمة”.

يسلط هذا الشعور المشترك الضوء على التأثير الطويل الأمد لمثل هذه الأزمات والحاجة إلى الدعم المستمر. وهذا يعني أيضًا أن الصحة النفسية هي عملية مستمرة وليست نشاطًا لمرة واحدة.

كما كشفت ورش العمل التي قدمتها مؤسسة الأطلس الكبير عن قضايا نفسية أعمق تتجاوز الصدمة المرتبطة بالزلزال.  فعلى سبيل المثال لا الحصر خلال الممارسات التأملية، أغمي على العديد من المشاركات، ليس فقط بسبب الأحداث المؤلمة الأخيرة الناجمة عن الزلزال ولكن أيضًا بسبب الظروف السابقة مثل القلق والصدمة التي تم التعرض لها في الماضي. قالت إحدى المشاركات،: “كانت التحديات في حياتنا كبيرة بالفعل قبل الزلزال، لكننا تمكنا من التعامل معها. لم يجلب الزلزال الدمار فحسب؛ بل كشف عن كل تلك الصراعات المدفونة واستنزف القوة التي كانت لدينا لمواجهتها”.

وقد سلط هذا الضوء بشكل أكبر على ضرورة عدم الاستمرار في هذه الورش فحسب، بل وأيضًا ضمان إحالة الأفراد الذين لديهم احتياجات نفسية أعمق إلى مراكز الإرشاد النفسي وجلسات العلاج الفردي ، الشيء الذي يساعد مؤسسة الأطلس الكبير على ضمان حصول المشاركين على الرعاية الطبية والنفسية التي يحتاجون إليها بالتعاون مع المرافق الصحية المحلية ومتخصصي الصحة النفسية.

وفقًا لبيانات من هبة توالي، وهي طبيبة نفسية من مشروع الأمل رافقت مؤسسة الأطلس الكبير خلال ورشات الدعم النفسي الاجتماعي، أفادت 50 امرأة من إجمالي 431 مشاركة بمعاناة من مجموعة من المشكلات الصحية الجسدية والعقلية في أعقاب الزلزال. ويمثل هذا ما يقرب من 10٪ من إجمالي عدد النساء اللائي شملهن الاستطلاع. وسلط ما يقرب من 40٪ من الأفراد الضوء على اضطرابات كبيرة في أنماط نومهم، والتي استمرت لمدة شهرين تقريبًا. ووصفت إحدى المشاركات إبقاء الضوء مضاءً طوال الليل الشيء الذي يعكس القلق و الخوف الناتجين عن صدمة الزلزال.
في نهاية كل ورشة عمل للتمكين النفسي الاجتماعي، تتيح للمشاركين الفرصة لمشاركة احتياجاتهم وتطلعاتهم ورؤاهم لمستقبلهم بشكل مفتوح، مع فهمهم أنهم سيقابلون بالتشجيع والدعم. تشكل هذه العملية التأملية عنصرًا محوريًا في رحلة الشفاء، حيث لا تسمح للأفراد للتعبير عن تطلعاتهم فحسب، بل تسهل أيضًا بلورة رؤية لحياة تتجاوز تجاربهم المؤلمة. والهدف هو تقديم الدعم للمشاركين للتخلي تدريجيًا عن التجارب المؤلمة التي تحملوها والانتقال نحو “وضع طبيعي جديد” – حياة تمكنهم من استعادة السيطرة وإعادة اكتشاف الغرض وتعزيز الشعور بالأمل.

إن الهدف النهائي لهذه الورش يتجاوز مجرد تخفيف الجروح العاطفية والنفسية الناجمة عن الصدمة، ليشمل دعم المشاركين في مسيرة استعادة التوازن الشخصي والاجتماعي وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم. وفي حين أن عملية الشفاء من الصدمة تظل أولوية أساسية، تسعى هذه الورش لتحقيق هدف أعمق وأكثر شمولية، وهو تحويل الألم إلى قوة دافعة نحو بناء حياة مستقرة وذات معنى.

من خلال تشجيع المشاركين على اتخاذ خطوات عملية تعزز استقلاليتهم، تهدف الورش إلى تحويل عملية التعافي إلى نتائج ملموسة مثل التمكين الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. فإلى جانب تحقيق الشفاء العاطفي، يسعى البرنامج إلى دمج المهارات والمعرفة التي تسهم في تحسين فرص العمل وتعزيز القدرة على تأمين سبل عيش مستدامة.

وهنا يتجلى دور دمج الدعم النفسي والاجتماعي مع الفرص الاقتصادية، حيث أن توفير بيئة تدعم النمو النفسي وتقدم فرصًا اقتصادية عملية يمكن أن يحدث تغييرًا جذريًا في حياة الأفراد، ممكّنًا إياهم من المضي قدمًا بثقة نحو مستقبل واعد يتخطى آلام الماضي ويؤسس لأسس جديدة من العطاء والمشاركة الفاعلة في المجتمع.

في مجتمعات الأطلس الكبير، نسمع أيضًا قصصًا استثنائية عن نساء يتخذن إجراءات من أجل نموهم. خلال المناقشات المفتوحة في ورش العمل يبرز موضوع متكرر باستمرار: الرغبة الجماعية في الفرص الاقتصادية المستدامة.

لقد أعربت جميع النساء تقريبًا %99 عن اهتمام قوي بإنشاء تعاونيات مثل الخبز و الخياطة وحياكة الزرابي والمشاركة في برامج التدريب المتعلق بالتعاونيات. بالنسبة للعديد منهن، تمثل التعاونيات أكثر من مجرد وسيلة لكسب الرزق؛ فهي توفر مسارًا للتضامن المجتمعي والدعم المتبادل والاستقرار الاقتصادي الطويل الأجل.

يوفر تدريب أعضاء التعاونيات الفرصة لتوحيد مواردهم ونشر المعرفة والتعاون نحو الأهداف المشتركة، وبالتالي إعادة تأكيد المساهمة القيمة للنساء كقائدات وتعزيز مجتمع أكثر مرونة واكتفاء ذاتيًا من خلال تزويدهن بالمهارات والثقة والموارد والأدوات اللازمة للقيادة بشكل فعال. يعزز هذا التمكين التعاون والابتكار بشكل أكبر داخل التعاونيات.

ومع تولي النساء لمناصب قيادية، فإنهن يعززن مرونة المجتمع، ويدفعن عجلة التنمية المستدامة ويخلقن بيئة مكتفية ذاتيا حيث يتم تحقيق الأهداف الجماعية، وتعزيز الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع بأكمله ومع ذلك، تدرك النساء أن نجاح هذه التعاونيات يعتمد على عوامل تتجاوز مجرد الحماس والالتزام.

إن التدريب الشامل في إدارة التعاونيات، والمحاسبة والامتثال للقوانين، وتحليل السوق، والوعي المالي أمر مهم، لأن هذه العناصر حيوية لضمان نجاح هذه التعاونيات على المدى الطويل. وفي غياب التدريب الكافي في مجالات رئيسية مثل عمليات صنع القرار، والقيادة، والتخطيط المالي، فإن حتى التعاونيات الناجحة قد تواجه تحديات كبيرة في تحقيق النجاح على المدى الطويل. إن المشاركين يدركون تمام الإدراك التحديات التي يواجهونها، وهم لا يسعون فقط إلى الحصول على الأدوات اللازمة لإنشاء التعاونية ولكن أيضًا إلى المعرفة اللازمة لاستدامتها لسنوات طويلة.

●الاستجابة لاحتياجات التدريب المهني والوعي المالي

إلى جانب التدريب التعاوني، هناك طلب كبير على تنمية المهارات المهنية و الحياتية ، وخاصة في صفوف الفتيات القاصرات اللاتي تركن الدراسة. وقد حددت ورش العمل المجالات الرئيسية التي تحتاج إلى التدريب بشكل عاجل، مثل الخياطة و الطبخ و الحلويات – وهي المهارات التي يمكن أن توفر تدفقات دخل مستدامة- تهدف هذه البرامج إلى تمكين المشاركين بالمهارات العملية، وتمكينهم من المساهمة اقتصاديًا في أسرهم ومجتمعاتهم.


ولكن من بين التحديات الأكثر إلحاحاً معالجة معدلات الأمية المرتفعة بين النساء ومعدلات الهدر المدرسي التي تحد من فرص الفتيات الصغيرات في المستقبل. و لمعالجة هذه المشكلة، نوصي بإطلاق برامج محو الأمية لفائدة  النساء مع التركيز على النساء اللاتي أعربن عن رغبة قوية في تعلم القراءة والكتابة. ولن تعمل هذه البرامج على تمكين المرأة اقتصادياً فحسب، بل تزودها أيضاً بالشعور بالنمو الشخصي والقدرة على التأثير.

●توسيع نطاق الوصول إلى ورش العمل التمكينية

منذ سنة 2017، أحدثت مؤسسة الأطلس الكبير تأثيرًا كبيرًا في تمكين المرأة في المجتمعات القروية الهشة. لقد أجرينا 218 ورشة عمل تمكينية في 26 اقليم استفاد منها 7550 مشارك، بما في ذلك 5498 امرأة و203 رجل و1849 طفلاً. ومع ذلك، فإن عملنا لم ينته بعد. لا تزال هناك قائمة انتظار تضم 29474 فردًا طلبوا من مؤسسة الأطلس الكبير استضافة هذه الورش في قراهم. وعلى مدار الأشهر المقبلة، تخطط المؤسسة لتوسيع جهودنا، بهدف إجراء 100 ورشة عمل بدعم من أربعة فرق متخصصة. ويظل هدفنا تمكين هذه المجتمعات بشكل شامل، ومعالجة احتياجاتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

●التمكين الاقتصادي من خلال التعاونيات

تهدف مؤسسة الأطلس الكبير إلى تقديم الدعم للنساء اللاتي يرغبن بعد الانتهاء من ورش العمل لدينا في الانخراط في الأنشطة الاقتصادية التي تبدأها النساء تقودها النساء. يعد ربط النساء بالموارد والدعم لتشكيل التعاونيات أمرًا أساسيًا استراتيجيتنا لتعزيز التمكين الاقتصادي. إن المبادرات الاقتصادية المجتمعية قادرة على دعم فرص الدخل للنساء اللاتي واجهن منذ فترة طويلة حواجز تحول دون الاستقلال المالي. ويلخص الاقتباس التالي رؤية النساء: “من خلال تحويل جهودنا الجماعية إلى تعاونيات، فإننا سنخلق مسارًا تنمويا يستفيد الجميع منه”

من خلال جلسات التدريب التي تُعقد كل أسبوعين والتي سيجريها الشركاء مؤسسة الأطلس الكبير وخبراء المؤسسة الداخليين، ستكتسب المشاركات المهارات اللازمة لإدارة التعاونيات بشكل فعال. وستوفر هذه الجلسات، التي تستضيفها المجتمعات المحلية، للنساء الأدوات اللازمة لخلق تغيير اقتصادي دائم في حياتهن.

إن التعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلية والشركاء والوكالات الحكومية والمؤسسات المالية سيكون أمرًا بالغ الأهمية في تجميع الموارد والدعم التقني اللازمين لازدهار هذه التعاونيات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تفيد برامج التدريب المهني  الفتيات الصغيرات، وتزودهن بالمهارات اللازمة لمتابعة حياتهن المهنية والمساهمة في مجتمعاتهن.

●محو الأمية والصحة: ​​مفتاح التمكين المستدام

 بالإضافة إلى الدعم الاقتصادي والنفسي الاجتماعي، تلتزم مؤسسة الأطلس الكبير بمعالجة الأسباب الجذرية للفقر والضعف، بما في ذلك الأمية ونقص الوعي  بالنظافة الصحية. وسوف يوفر تقديم برامج محو الأمية 24 ساعة من التعليم شهريًا، وسوف تساعد هذه البرامج النساء والفتيات في المناطق القروية على تحسين مهارات القراءة والكتابة، مما يوفر لهن فرصًا جديدة للمشاركة في الأنشطة الاقتصادية والوصول إلى الخدمات الأساسية.

كما سيظل التعليم الصحي والنظافة محورًا أساسيًا، وخاصة في صفوف الأطفال والنساء. وسوف تُبذل جهود مستمرة لرفع مستوى الوعي بشأن الوقاية من الأمراض وممارسات الصرف الصحي والصحة العامة، وتمكين المجتمعات من عيش حياة أكثر صحة ومرونة.

●بناء مجتمعات مرنة

إن الهدف النهائي لهذه الورش والمبادرات هو تمكين النساء في المجتمعات الهشة من خلق الحياة التي يرغبن فيها – اقتصاديًا ونفسيًا واجتماعيًا. التحديات كبيرة: تفتقر العديد من النساء إلى الوضوح بشأن أهدافهن الشخصية، والوصول إلى خدمات الصحة النفسية  وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي يساهم في مستويات عالية من التوتر والصدمات. ومع ذلك، من خلال الاستمرار في توفير ورش عمل التمكين النفسي والاجتماعي والتدريب المهني ومحو الأمية والتعليم الصحي، نعتقد أن التغيير الدائم ممكن.
من خلال تعزيز بيئة داعمة توفر للنساء مساحة آمنة تمكنهن من تصور مستقبلهن بكل ثقة وأمل، وتزويدهن بالأدوات والمعارف والمهارات اللازمة لتحقيق أهدافهن وطموحاتهن، فإننا لا نساعدهن فقط على التغلب على التحديات والصعوبات التي يواجهونها في حياتهن اليومية، بل نعمل أيضًا على وضع الأساس لمستقبل أكثر إشراقًا وتمكينًا. حيث يُعزز هذا النهج من شعورهن بالاستقلالية ويحفزهن على المشاركة الفعالة في مجتمعهن، مما يسهم في تحقيق تغيير إيجابي ليس فقط في حياتهن الخاصة ولكن في المجتمع ككل، مؤكدين بذلك أهمية دور المرأة في بناء مجتمع قوي ومتماسك. 
فاطمة الزهراء العريبي هي مدربة معتمدة في التمكين النفسي الاجتماعي لدى مؤسسة الأطلس الكبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى