
عبد الكريم علاوي-لم يسبق لقرار إداري حديث أن خلّف ارتباكا واسعاً مثل الذي أثارته حملة مراقبة الدراجات النارية بالمغرب. قرار متسرع، اتُّخذ دون تمهيد أو تدرج، وفي غياب أسس قانونية متينة، ما جعله ينذر بكارثة اجتماعية كانت ستطال شريحة واسعة من المواطنين.
فالدراجات النارية ليست مجرد وسيلة نقل ثانوية، بل هي عصب الحياة اليومية لملايين المغاربة، خاصة في الضواحي والقرى، حيث تفتقر وسائل النقل العمومي إلى الجودة والانتظام. المياومون، التجار، العمال، والطلبة… جميعهم يعتمدون على هذه الوسيلة باعتبارها الأرخص والأكثر عملية.
غير أن القرار أبان عن تناقضات صارخة، إذ اعتبر كثيراً من الدراجات في وضعية مخالفة رغم أنها دخلت إلى البلاد بشكل قانوني عبر موزعين مرخّص لهم، وبوثائق تأمين وفحص تقني مكتملين. والمفارقة أن جزءاً من هذه الدراجات – خصوصاً الأصناف الصينية مثل “C90″ و”Y50″ و”بوساق” و”سانية” – استوردت أصلاً بترخيص رسمي، ما يعيد فتح النقاش حول معايير الاستيراد ومدى مطابقتها لشروط السلامة والجودة.
الأكثر خطورة أن القرار جاء في فترة عطلة المؤسسة التشريعية، ما جعله يبدو منفرداً، يفتقر للحس التشاركي والمسؤولية، ومجانباً لواقع اجتماعي واقتصادي معقد. كيف يُطلب من مستعملي هذه الدراجات، الذين يقطعون يومياً مسافات طويلة على الطرق الوطنية بين أوريكا، تاسلطانت، السويهلة، واحة سيدي براهيم، أولاد يحيى، أيت أورير وغيرها، أن يسيروا بسرعة تقل عن 50 كلم/س؟ ذلك يعني الحكم عليهم برحلة شاقة تُعطّل مصالحهم وتهدد أرزاقهم.
لحسن الحظ، تدخّل عقلاء في اللحظة الأخيرة لإيقاف القرار قبل أن يتحول إلى أزمة خانقة. لكن الحادثة برمتها أعادت إلى الواجهة سؤالاً جوهرياً: كيف تُتخذ القرارات في قضايا تمس حياة الملايين؟ وهل يكفي منطق الزجر بدل توفير البدائل في النقل العمومي، وتطوير البنية التحتية، وضبط شروط استيراد المركبات؟
إن ما جرى لم يكن مجرد ارتباك إداري، بل إنذار قوي بضرورة إصلاح طريقة صناعة القرار العمومي، حتى لا يجد المواطن نفسه مجددا ضحية ارتجال قد يهدد توازنه الاجتماعي والاقتصادي.