24 ساعةسلايدرسياسةمجتمع

التوازن الهش بين الجيش والرئاسة: مستقبل النظام السياسي الجزائري على المحك

تشهد الجزائر في السنوات الأخيرة مرحلة حرجة من الصراع السياسي الداخلي، حيث تتقاطع الديناميات التقليدية للنخبة العسكرية والسياسية مع تحديات حديثة تتعلق بشرعية الحكم واستقرار مؤسسات الدولة، الأحداث الأخيرة التي تداولتها وسائل الإعلام حول حالة رئيس أركان الجيش شنقريحة في ألمانيا بين الحياة والموت، وما روي عن احتجاز الرئيس عبد المجيد تبون معه خشية انقلاب محتمل، تعكس حجم الأزمات الخفية داخل النظام السياسي الجزائري وحساسية التوازنات بين الجيش والرئاسة.

يمكن قراءة هذه الأحداث في ضوء مفهوم صراع النخبة الذي يشير إلى المنافسة المستمرة بين مكونات السلطة المختلفة حول التحكم في مفاصل الدولة، فالجزائر منذ الاستقلال اعتمدت على دور محوري للجيش في السياسة، وهو ما أنتج نمطا من السيطرة العسكرية، بحيث تصبح أي أزمة صحية أو سياسية لأي من القيادات العسكرية العليا مبررا لتوترات غير معلنة داخل النظام.
تظهر هذه المعطيات كيف أن المؤسسات الجزائرية تواجه تحديا مزدوجا: من جهة الحفاظ على استقرار الدولة ووحدة القرار السياسي، ومن جهة أخرى إدارة الصراعات الداخلية التي قد تهدد الشرعية أو تؤدي إلى فراغ في السلطة، ويضاف إلى ذلك تأثير الأحداث الصحية للشخصيات القيادية على العملية السياسية، حيث تصبح الأخبار عن حالتهم أو غيابهم أداة لتكهنات ومناورات بين مختلف فئات النخبة.

على المستوى النظري يمكن تحليل هذه الظواهر من منظور نظرية الدولة والهياكل العسكرية في السياسة التي ترى أن قوة المؤسسة العسكرية ونفوذها في صنع القرار يعتمدان على قدرة الجيش على التحكم في مفاصل الدولة الأساسية، فأي اضطراب يؤدي إلى أزمة سياسية خطيرة، حيث تصبح الدولة عرضة لتقلبات العسكر مما يفقد الجمهورية كامل شرعيتها أو استقرارها.
علاوة على ذلك، تعكس هذه الأزمات هشاشة الأنظمة التي تعتمد على التوافقات الداخلية بدلا من مؤسسات ديمقراطية مستقرة، حيث يمكن لأي حدث مفاجئ أن يستغل لتصفية حسابات داخل النخبة أو إعادة توزيع النفوذ، كما تظهر حاجة الجزائر إلى آليات واضحة لإدارة الخلافات السياسية والصحية بين القيادات العليا بما يضمن استمرار الدولة واستقرارها، دون أن تتحول الصراعات الداخلية إلى تهديدات مباشرة للوطن والمجتمع.

في الختام، يمكن القول إن الوضع الراهن في الجزائر يطرح أسئلة حقيقية حول قدرة الدولة على الصمود أمام الأزمات المفاجئة، وإدارة صراعات النخبة بطريقة تحافظ على مؤسسات الدولة وتمنع الانزلاق إلى فراغات في السلطة أو اضطرابات سياسية قد تكون لها انعكاسات واسعة على الأمن الداخلي والإقليمي للجزائر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى