24 ساعةسلايدرسياسةمجتمع

قرار المحكمة الدستورية بشأن قانون المسطرة المدنية: بين سمو الرقابة القضائية وحدود التكوين التشريعي

عبد الكريم علاوي –أصدرَت المحكمة الدستورية، بتاريخ 4 غشت 2025، قرارًا قضى بعدم دستورية عدد من مواد مشروع قانون المسطرة المدنية، من بينها مقتضيات تتعلق بالتبليغ، وتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية في بعض مساطر التقاضي، إلى جانب إحالات غير سليمة على مقتضيات أخرى في النص نفسه.

ورغم أن هذه الملاحظة ليست الأولى من نوعها، فإن القرار يُعد من أبرز المحطات في تاريخ الرقابة الدستورية بالمغرب، لما يحمله من دلالات قانونية وسياسية وتنظيمية، سواء على مستوى وظيفة البرلمان كمشرِّع، أو على مستوى توازن السلط.

ويسجَّل بدايةً أن إحالة هذا القانون على المحكمة الدستورية جاءت بمبادرة من رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، في احترام صريح لما تنص عليه المادة 132 من الدستور، وهو ما يعكس حرصًا على احترام الشرعية الدستورية ومبدأ الرقابة القبلية على القوانين قبل دخولها حيز التنفيذ.

وقد تم تبليغ المحكمة بطلب الإحالة بعيد المصادقة النهائية على النص، ما يُؤكد ـ في الظاهر على الأقل ـ أن رئيس المجلس قد احترم المساطر القانونية والدستورية المرتبطة بالتشريع، خصوصًا في ظل حساسية قانون بحجم “المسطرة المدنية”، التي تُعد إحدى الركائز الأساسية للعدالة المدنية.

لكن، في المقابل، يطرح قرار المحكمة إشكالًا جوهريًا يتعلق بمدى جاهزية البرلمان كمؤسسة لصياغة قوانين مطابقة للدستور، خاصة حين يتعلق الأمر بقوانين تقنية ودقيقة تلامس بنية النظام القضائي ذاته.

ضعف التكوين القانوني لدى عدد من البرلمانيين

الكمّ الكبير من المواد التي اعتبرتها المحكمة غير دستورية يُثير تساؤلات مشروعة حول جودة التكوين القانوني لبعض النواب والمستشارين، وكفاءة الفرق البرلمانية في التدقيق والصياغة والتقييم.

فالخلل لم يقتصر على مادة واحدة أو فقرة عرضية، بل شمل محاور أساسية في القانون، منها التبليغ القضائي، وتوسيع صلاحيات وزير العدل على حساب استقلالية القضاء، ومقتضيات إجرائية تمس جوهر الحق في المحاكمة العادلة.

هذا النوع من القرارات يُظهر، مرة أخرى، الحاجة الملحة لإعادة النظر في طريقة إعداد القوانين داخل المؤسسة التشريعية، سواء من خلال:

  • تفعيل أكبر لدور الخبراء والمستشارين القانونيين داخل الفرق النيابية،
  • أو بإرساء آلية مستقلة لتقييم جودة مشاريع القوانين قبل إحالتها على الجلسات العامة،
  • أو من خلال إعادة هيكلة التكوين المستمر للنواب والمستشارين في المجالات ذات الطابع القانوني والتقني.

سمو المحكمة الدستورية كضامن لتوازن السلط

في نهاية المطاف، يؤكد هذا القرار أن المحكمة الدستورية ليست مؤسسة شكلية، بل فاعل جوهري في ضمان احترام الدستور وصيانة الحقوق والحريات، كما ينص على ذلك الباب الأول من الدستور المغربي.

ولعل من أبرز ما نبه إليه القرار، هو ضرورة احترام مبدأ فصل السلط واستقلال القضاء، خاصة حين تعمد نصوص تشريعية إلى منح صلاحيات إجرائية حساسة للسلطة التنفيذية ـ ممثلة في وزير العدل ـ بشكل يُمكن أن يُقوّض الثقة في العدالة، ويُثير شبهات التداخل في الوظائف الدستورية للسلطات الثلاث.

قرار المحكمة الدستورية بشأن عدد من مواد قانون المسطرة المدنية هو جرس إنذار يجب أن يُؤخذ بجدية من قبل المؤسسات التشريعية.
ففي الوقت الذي يحترم فيه رئيس مجلس النواب المسطرة الدستورية ويُحيل القوانين للفحص، تظل مشكلة الجودة التشريعية قائمة، ما لم يُعالج الخلل البنيوي في التكوين والدعم القانوني داخل البرلمان.

سمو الدستور لا يُختزل في الشكل فقط، بل في عمق النصوص التي تُنظّم حياة الناس، وتصوغ حقوقهم، وتضبط سلطات الدولة. والمحكمة الدستورية ـ في قرارها هذا ـ تؤكد مجددًا أنها الحصن الأخير لتلك القواعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى