
عبد الكريم علاوي- عرفت كرة القدم المغربية خلال السنوات الأخيرة تحولات عميقة، خاصة على مستوى البنية التحتية للملاعب. من مركب محمد السادس بالمعمورة إلى الملاعب التي تم تجديدها أو بناؤها بمواصفات عالمية، باتت المملكة تتوفر على فضاءات رياضية تضاهي نظيراتها في كبريات العواصم الكروية بمختلف القارات.
غير أن تطوير الملاعب وحده لا يكفي، فالنقلة النوعية التي يعرفها المشهد الكروي المغربي تحتاج إلى مواكبة جماهيرية حقيقية، ترتكز على الوعي، والتحلي بالروح الرياضية، ونبذ السلوكات السلبية وعلى رأسها الشغب.
الملاعب الحديثة، التي صُممت بأسلوب “المدرجات القريبة من اللاعبين” كما هو الحال في الملاعب الإنجليزية، تضع الجمهور في قلب اللعبة، هذا القرب المكاني يستدعي نضجًا أكبر في التعامل مع الضغط، وضبط النفس، وتحويل الحماس إلى دعم إيجابي بدل التوتر والعنف.
ولذلك، فإن التحسيس لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحّة. إذ من دون برامج توعوية تواكب هذا التطور، سنكون أمام خطر تحويل هذه الملاعب العصرية إلى بؤر توتر، تفقد فيها الرياضة معناها، ويتراجع المشروع برمّته إلى الوراء.
لقد بدأت بعض الأندية بالفعل في تبني سياسات جديدة تجاه جماهيرها، عبر فتح قنوات تواصل مستمرة، وتنظيم حملات تحسيسية، وإشراك الجماهير في النقاش حول السلوك داخل الملاعب، هذه المبادرات يجب أن تتحول إلى سياسة وطنية واضحة، تُعتمد فيها مقاربة تشاركية بين الجامعة، الأندية، الإعلام، والمجتمع المدني والمؤسسة الامنية والقضائية.
فالشغب، مهما كانت أسبابه، يظل أكبر عائق أمام تطور كرة القدم المغربية، خصوصًا ونحن نعيش لحظة تاريخية تتجسد في الترشح المشترك لاحتضان كأس العالم 2030. صورة الجماهير ستكون جزءًا من هذا المشروع، والرهان اليوم هو بناء جمهور يليق بملاعبه، وبطموح بلده.
إن ضمان نجاح هذه النقلة النوعية في كرة القدم الوطنية، لا يمر فقط عبر ملاعب جميلة ومعشوشبة طبيعيًا، بل يمر أيضًا عبر عقليات جديدة تُؤمن بأن الرياضة فرجة، ومسؤولية، وسلوك حضاري.